النسخة الكاملة

لغة الأرقام في التصريحات الرسمية

الإثنين-2025-06-02 10:09 pm
جفرا نيوز -

الجزء 3 من 3
البرفسور عبد الله سرور الزعبي
مركز عبر المتوسط للدراسات الاستراتيجية
ان قطاع الطاقة، يعد أكثر القطاعات حساسية نظرًا لما له من تأثير مباشر على الاقتصاد والأسعار والدين العام، والمنافسة في الإنتاج، وخاصة تلك التصريحات التي أعطت الأردنيين الامل بالخروج من الازمة الاقتصادية (الخروج من عنق الزجاجة) والمتعلقة بإنتاج النفط من حقل حمزة والغاز من منطقة الريشة. 
فيما يتعلق بإنتاج النفط من حقل حمزه، فانني لن اعيد ما سبق وان كتبته، والمنشور بتاريخ 3/5/2025، الا ان الإضافة هنا تعود الى المعلومات الشفوية التي  توفرت من مسؤولين سابقين ومن بعض العاملين في شركة البترول، بان الإنتاج من الحقل لن يستمر لأكثر من عدد قليل من السنوات بعد ان انخفضت كميات الإنتاج لعام 2024 الى حوالي 19000 برميل، حوالي 52 برميل يومياً)، ما لم تظهر نتائج إيجابية للإبار التي قامت بحفرها شركة ادنوك (بئر 18 و 19)، وهو الامر الذي لم تعلن نتائجه الوزارة حتى تاريخه على الرغم من مغادرة شركة الحفر الموقع منذ عدة شهور. 
عندما تم الإعلان عن اكتشاف احتياطي من الغاز في حقل الريشة يقدر بـ 16 تريليون قدم مكعب في السيناريو المرتفع، و11.99 تريليون الاحتياطي المتوسط، والسيناريو الاسواء ب 9.4 تريليون، وقدرت الكميات القابلة للاستخراج بحوالي 4.675 تريليون (حسب تصريحات وزير الطاقة، حيث تم تقدير الكميات القابلة للاستخراج، كنسبة 39℅ من المتوسط الاحتياطي). الا ان هناك تصريح اخر يقول وجود 9.4 تريليون قدم مكعب من الغاز وهي شبه مؤكدة (رؤيا 9/11/2024)، وكباقي المختصين في الهندسة الجيوفيزيائية والجيولوجية، كنا قد تسألنا عن اي احتياطي نتحدث؟ هل هو الاحتياطي المؤكد، او الممكن، او المحتمل، وعن كيفية العمليات الحسابية، وعن الموديل الديناميكي والاستاتيكي للمكمن، خاصة ان الغاز في الريشة يتوجد على شكل تجمعات غازية في اودية جليدية قديمة، ومن الممكن وجوده في مصائد استراتغرافية، وليس على شكل تراكيب جيولوجية متعارف عليها، مما يجعل عملية الاحتساب في غاية الصعوبة، لتداخل الكثير من العوامل فيها، ويصعب التحكم بها في منطقة الريشة. وكوننا لم نحصل على إجابات رسمية، الا اننا قد حصلنا على معلومات شفوية من بعض المختصين في الشركة بانه من الأرجح ان الحديث يدور حول الاحتياطي المحتمل، وعليه فان الكميات القابلة للاستخراج تكون حوالي 10℅ من الاحتياطي المعلن عنه (إذا صحت المعلومة؟). 
على الرغم من كل تلك التصريحات تاريخ 19/11/2024، الا ان شركة البترول وبموجب كتاب صادر بتاريخ 16/12/2024 تحدثت عن 411.3 مليار قدم مكعب كأجمالي الاحتياطيات من الغاز، أي بعد شهر تقريباً من المؤتمر الصحفي، وهذا بحاجة الى تفسير. 
اما من حيث الإنتاج، فقد سبق لمعالي الوزير التصريح لقناة المملكة بتاريخ 20/6/2022، "ان هناك خطط لإنتاج 200 مليون قدم مكعب من الغاز خلال 3 سنوات (المفروض ان نكون قد وصلنا الى هذا الإنتاج)، وأضاف "إن خطة شركة البترول هي زيادة كميات الغاز المتواضعة للوصول إلى 45 مليون قدم مكعّب بحلول نهاية العام الحالي (المقصود العام 2022)"، وتابع "ما يتم استخراجه اليوم حوالي 17-18 مليون قدم مكعّب"، علماً بان الإنتاج كان وقتها يقدر بحوالي 14.74 مليون قدم يومياً. 
كما ان هناك تصريح لوزير الطاقة عن انتاج 45 مليون قدم مكعب يومياً (9/11/2024، وتصريح سابق لمدير شركة البترول ايضاً)، ليتبين بان كميات الإنتاج في عام 2024 هي 16.714 مليون قدم مكعب (تقرير شركة البترول بتاريخ 29/1/2025)، تبعها التصريح بتاريخ 13/2/2025 وتاريخ 28/5/2025 المنشور على صفحة المملكة، الخرابشه " ان الوزارة تستخرج 55 مليون قدم مكعب يوميا، بينما اتضح وحسب تقرير الربع الأول لهذا العام لشركة البترول ان الانتاج انخفض عن ما كان عليه العام الماضي، واصبح حوالي 14.512 مليون قدم مكعب يومياً تقريباً، ويشير التقرير ايضاً  الى ان عدد من الابار التي كانت تعتبر منتجة العام الماضي قد تم اغلاقها مثل بئر 50 و55، وان الابار المسؤولة عن الإنتاج هي 9 ابار من أصل 20 بئر منتجة في الحقل. 
بعد هذه التصريحات، وفي حال قام ديوان المحاسبة بالتدقيق على مبيعات شركة البترول، هل سيجد تدفقات ماليه تغطي انتاج ل 45 مليون قدم مكعب يومياً لعام 2024، وهل سيجد تدفقات مالية تغطي انتاج 55 مليون قدم مكعب للربع الأول 2025؟ وفي حال عدم وجود هذه التدفقات المالية، هل سنلجأ للتبرير بالقول، باننا قادرين على الإنتاج الا اننا لا ننتج لعدم توفر اسواق او قدرة على التسويق، وفي الحالتين ستكون مصداقية التصريحات موضع تساؤل؟
اما فيما يتعلق بتصريحات خطط الانتاج المستقبلية، حيث كان من المفروض ان نصل الى انتاج 200 مليون قدم مكعب في هذا العام (حسب وزير الطاقة 20/6/2022، الا اننا ما زلنا لم نصل الى 18 مليون قدم يومياً)، وحسب تصريحات مدير شركة البترول فان الشركة وضمن خطتها 2025-2029، تستهدف انتاج 150 مليون قدم مكعب عام 2029، ثم تصريح معالي الوزير بتاريخ 13/2/2025 باننا نطمح لتلبية احتياجات المملكة من الغاز بحلول 2033، (منشور على موقع المملكة)، علماً بان احتياجات الاردن تقدر بحوالي 320-350 مليون قدم مكعب يومياً، وأخيرا التصريح بالسعي للوصول الى انتاج 418 مليون قدم مكعب بحلول 2030. 
اما خطط الحفر المستقبلية، فخطة الشركة 2025-2029 تشير الى حفر 70 بئر (حسب الكتب الرسمية)، والعطاء المعلن عنه بتاريخ 6/4/2025، لحفر 80 بئر خلال 3 سنوات، ثم التصريح الصادر تاريخ 4/5/2025 أن خطة الشركة 2025-2030، تهدف إلى حفر 145 بئر، وتصريح الوزير 28/5/2025، خلال اجتماعه مع اللجنة النيابية المشتركة، يؤكد أن الوزارة تسعى للوصول لإنتاج 418 مليون قدم مكعب يوميا وتعمل على حفر 145 بئرا بحلول 2030 (وهنا السؤال كم عدد الابار المتوقع انها ستكون منتجة، لكي نصل الى انتاج هذه الكميات من الغاز).
وهنا يمكن التساؤل، هل تم تأمين تكلفة الحفر والتي لا تقل عن 200 مليون دينار لحفر 145 بئر (هذا في أحسن الأحوال)، مع الإشارة الى ان تصريح مدير شركة البترول عن عطاء الحفر ل 80 بئر، تسليم مفتاح، أشار الى ان جزء من التكلفة ستتحملها الحكومة، وفي حال عدم الوصول لكميات الإنتاج المعلن عنها، هل هناك من سيتحمل المسؤولية، ام ستكون عبارة عن تصريحات لتحقيق هدف ما، وتكون الغاية منه قد انتهت وقتها؟ 
اننا، سنكون سعداء باي انجاز سيتحقق من التصريحات السابقة، على ان يكون التنفيذ من أموال الشركة او عن طريق شركاء اخرين، دون ان تتحمل الخزينة نفقات اية مغامرات. 
اليوم وقد انتهت الأعوام الثلاث (من تاريخ 20/6/2022)، حيث من المفروض ان ننتج 200 مليون قدم مكعب يومياً، ونحن لم نصل بعد الى انتاج 18 مليون، فكيف لنا ان نقتنع باننا سنصل الى 418 مليون قدم مكعب يوميا بحلول 2030. 
وهنا لن نتطرق الى التصريحات المتعلقة بمدى الالتزام بالتحول الى الطاقة المتجددة في ظل التحديات التقنية والمالية، وغيرها من الأمور، والتي لم نبحث فيها بعد.
ان التصاريح المدعمة بالأرقام، والصادرة خلال السنوات الأخيرة، والمتعلقة بأوضاع الجامعات وقطاع المياه والثروات الطبيعية، أعطت امال كبيرة، الا انها في نفس الوقت اربكت المختصين والمتابعين لهذه الملفات، لعدم تناغمها وتعارضها مع التقارير الرسمية والتقديرات المالية، مما جعل الشفافية في قواعد البيانات الرسمية على المحك، وخاصة في اختلافها مع اختلاف المتحدثين بها، والتضارب في الرسائل الإعلامية، والتي يفسرها البعض على انها تسيس للغة الأرقام وبما يخدم رواية معينة أو للتغطية على امر ما، لا بل يفسرها البعض بضعف في الرقابة الإعلامية الاستقصائية والبرلمانية والتي من واجبها التحقق من صدقية الأرقام وبالوثائق. 
كما ان التناقض في الأرقام، قد يدفع البعض بتفسير التصريحات المتضاربة باعتبارها ليست ظاهرة سطحية عابرة، بل تعكس غالباً أحد أمرين، إما غياب التنسيق المؤسسي والشفافية في تداول البيانات، أو وجود تضليل متعمد لاحتواء امر ما، أو صناعة صورة وردية غير حقيقة للبعض. 
لقد جاء الوقت، لنعلم ان التصريحات الرسمية، ليست مجرد كلمات، بل هي وثائق غير مكتوبة تُبنى عليها السياسات، ويتم المحاسبة عليها، خاصة اننا من المفروض اننا في زمن الشفافية والمسالة، التي يدعوا لتطبيقها جلالة الملك، وبمتابعة من سمو ولي العهد، ويعمل دولة الرئيس للوقوف على تفاصيلها من خلال عمله الميداني، فانه لم يعد مقبولًا أن تتضارب الأرقام من شخص لآخر، واحياناً من ذات الشخص، وكذلك إطلاق الوعود التي قد يصعب تحقيقها، وما زال في ذاكرة الأردنيين الوصول الى انتاج 2000 طن من الكعكة الصفراء عام 2012. وهنا نؤكد على الى ان تقديم الحقائق يجب ان تكون كما هي (لا كما يُراد لها أن تبدو)، وهي التي تحافظ على ثقة المواطن، وتخدم مؤسسات الدولة وتحقق رؤى جلالة الملك.
ومن هذا المنطلق، نجد اليوم انه لمن الضرورة ان يتم توحيد مصادر الأرقام، بحيث تكون صادرة من جهة مختصة واحدة لكل قطاع، او حصرها في دائرة الإحصاءات العامة، وللشفافية يجب نشر التقارير الدورية المفصلة والرقمية عبر المنصات إلكترونية الرسمية، والتي تتيح للجميع الوصول اليها، وهذا امر في غاية الضرورة، مما يمكن مؤسسات الرقابة المالية والتشريعية من مراجعة وتدقيق كل رقم، وتشجيع الاعلام الاستقصائي على تتبع مصادر الأرقام ومقارنتها مع الواقع، ليكون اعلام دولة. 
كما أصبح من الأهمية اجراء تقييم دوري للوعود الصادرة ومحاسبة من يطلق التعهدات في حال عدم تحقيقها ضمن إطار زمني واضح، وهو الامر الذي لا يعد ترفاً إدارياً، بل ضرورة وطنية للقضاء على ظاهرة تشويه الحقائق وعدم منح فرصة لانتشار الشائعات، واغتيال الشخصيات والتي سبق ان تطرق لها جلالة الملك واعتبرها بانها لم تعد مقبولة باي شكل
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير