النسخة الكاملة

رفع العقوبات عن سوريا وتداعياته على الاقتصاد الأردني

الأحد-2025-06-01 09:54 am
جفرا نيوز -
أثار إعلان الرئيس الأمريكي  دونالد ترامب عن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا ردود فعل متباينة في الأوساط الإقليمية والدولية، لكن الاهتمام الأكبر محليًا في الأردن يتمثل في التساؤل عن كيفية انعكاس هذا القرار على واقع الأسعار والمعيشة اليومية للمواطن الأردني، لا سيما في ظل ظروف اقتصادية دقيقة وتحديات معيشية متزايدة.

العلاقة الاقتصادية بين الأردن وسوريا عميقة ومتجذرة، وقد عطلت العقوبات والنزاعات المتتالية على مدى أكثر من عقد تدفق السلع وحركة التبادل عبر الحدود الشمالية، ما رفع كلف الشحن وأثر على خيارات المستهلك الأردني. ومع رفع العقوبات، يُنتظر أن يعود النشاط التجاري تدريجيًا، وخاصة في ما يتعلق بتوريد المنتجات الزراعية والصناعات الخفيفة من سوريا، وهي سلع عُرفت تقليديًا بانخفاض أسعارها وتلبيتها لحاجات الطبقات المتوسطة والفقيرة في الأردن. وهذا التطور قد يسهم بشكل مباشر في خفض أسعار الخضار والفواكه، أو على الأقل ضمان استقرارها في الأسواق المحلية، وهو أمر بالغ الأهمية في سياق الأمن الغذائي الذي يشكّل أحد أولويات الدولة الأردنية في هذه المرحلة.

إضافة إلى ذلك، فإن عودة سوريا كمعبر بري نحو تركيا وأوروبا، وعودة خطوط الإمداد عبرها، سيؤدي إلى تخفيض نسبي في تكاليف النقل والشحن، ما قد ينعكس إيجابًا على أسعار السلع المستوردة بشكل عام. كما أن إعادة إدماج سوريا اقتصاديًا قد تفتح الباب أمام توريد أدوية ومستلزمات طبية منخفضة السعر نسبيًا، مما يخلق ضغطًا تنافسيًا قد يسهم في خفض تكاليف العلاج داخل المملكة، ويوفر بدائل علاجية بأسعار معقولة.

لكن في مقابل هذه الإيجابيات، لا يمكن تجاهل احتمال ارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية في السوق الأردني، مثل الطحين والسكر والأرز، إذا ازداد الطلب السوري عليها بشكل مفاجئ وتم تصدير كميات كبيرة من المخزون الأردني إليها. هذا السيناريو يتطلب يقظة تنظيمية لضمان عدم المساس بالمخزون الاستراتيجي الأردني، ومنع أي ضغط على الأمن الغذائي المحلي، لا سيما في ظل استمرار الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية.

الفرص أيضًا لا تقتصر على السلع الاستهلاكية، إذ إن الأردن قد يستفيد من النشاط المتوقع في قطاع الإنشاءات في سوريا، من خلال تصدير مواد البناء أو استيرادها بأسعار أقل، مما يعزز قطاع الإسكان والبنية التحتية في المملكة ويعيد النشاط لقطاعات اقتصادية ظلت راكدة خلال السنوات الماضية.

وسط كل هذه التحولات، لا بد من الإشادة بالنظرة الثاقبة لجلالة الملك عبد الله الثاني، الذي لطالما شدد على ضرورة إيجاد مقاربة واقعية تجاه الملف السوري تقوم على المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي. دعوته المستمرة إلى الحلول السياسية وإعادة تأهيل سوريا ضمن محيطها العربي لم تكن فقط مواقف دبلوماسية، بل تعبير واضح عن رؤية استراتيجية عميقة تربط بين السياسة والأمن والاقتصاد، وتحمي مصلحة الأردن العليا على المدى الطويل.

إن قدرة الأردن على الاستفادة من رفع العقوبات عن سوريا تعتمد على سرعة استجابة مؤسساته، ورشاقة قراراته الاقتصادية، وصرامة آلياته الرقابية، لضمان أن تتحول هذه اللحظة إلى فرصة لتعزيز الأمن الغذائي، وخفض الأسعار، وتحسين نوعية الحياة، في ظل قيادة هادئة، متزنة، وواعية لأبعاد كل تحول إقليمي، كما عهدنا في جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير