تكثيف الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية، وتهويد القدس، واستمرار العدوان على غزة بُغية إعادة احتلالها، التضيق على فلسطينيي الداخل «فلسطين 1948»، إجراءات متصلة تسعى من خلالها حكومة اليمين المتطرف الصهيونية الفاشية لفرض واقع جديد في منطقة الشرق الاوسط، وإقامة دولة يهودية متجانسة على حساب سكان الارض الاصليين، هذه السياسات ليست مجرد إجراءات أمنية، بل هي جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية والجغرافية لفلسطين التاريخية.
ما يحدث في اراضي الضفة الغربية من إطلاق قطعان المستوطنين على سكان البلدات والقرى والمدن هناك وتخريب ممتلكاتهم او الاستيلاء عليها والاعتداءات على الناس تحت حماية جيش الاحتلال الصهيوني، وما يرافقه من زيادة في النشاط الاستيطاني كأداة للضم التدريجي وتوسع المستوطنات في الضفة الغربية، كلها خطوات متتابعة تهدف لتقويض أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، حيث يتم فرض السيطرة على الأراضي وتقطيع أوصالها عبر بناء مستوطنات جديدة، وتهجير السكان الفلسطينيين، مما يجعل حل الدولتين غير قابل للتطبيق.
وعلى جانب اخر، تأتي مهمة هذه الحكومة المتطرفة لتهويد مدينة القدس وفرض واقع جديد من خلال الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، والتوسع في المشاريع الاستيطانية داخلها، بمعنى توجهها لفرض سيادة كاملة على المدينة، مما يهدد الهوية الإسلامية والعربية للقدس، ويجعلها خارج أي مفاوضات مستقبلية.
أما المقتلة الدائرة في قطاع غزة منذ منذ اكثر من 600 يوم، فلها هدفان الاول استخدامها كأداة للضغط السياسي من خلال فرض حصار خانق عليه لإضعاف أي مقاومة فلسطينية، وثانيها تحقيق هدف افراغه من سكانه عبر اجبارهم على العيش في ظروف غير إنسانية، مما يعزز فكرة أن غزة غير قابلة للحياة ككيان سياسي مستقل، وبالتالي تهجيرهم للخارج، او على الاقل إعادة احتلال القطاع.
ثلاث جبهات لا تدخر قوات الاحتلال الصهيوني بتوجيهات من حكومتها الفاشية طريقة للقتل والتدمير الا وقامت به، مستندة الى دعم غير مشروط من قبل حليفتها في الضراء والسراء الولايات المتحدة الامريكية التي توفر لها الغطاء السياسي والدعم المالي والعسكري غير المنقطع لتنفيذ سياساتها وتحقيق اهدافها، فلما لا وواشنطن ترى في دولة الكيان الصهيوني قاعدة متقدمة لمصالحها في الشرق الأوسط، وتستخدمها لإضعاف الدول العربية، وتعزيز نفوذها في المنطقة، خاصة في ظل التنافس مع الصين وروسيا.
استمرار هذه السياسات بالتأكيد يخلق واقعا جديدا في المنطقة، لتصبح هذه الدولة القوة المهيمنة، بينما يتم تهميش القضية الفلسطينية، وتناسى اصحاب هذه الفكرة ان مثل هذا النهج له عدة انعكاسات اهمها تصاعد المقاومة الفلسطينية، فكيف للفلسطيني الذي رأى الدمار والقتل ان يسامح او ينسى او يهجر، ما يعني بقاءهم في اطار الخوف والذعر المستمر منذ عشرات السنين من مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال.
كما ان هذا النهج الفظ قد يؤدي الى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، وقد يتراجع معه النفوذ الأميركي في المنطقة، حيث بدأت بعض الدول بالفعل البحث عن شركاء جدد مثل الصين وروسيا.
ما يجري اليوم في فلسطين جزء من مشروع لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤية صهيونية يمينية متطرفة، تستند إلى فرض واقع استيطاني قسري، بدعم غير مشروط من واشنطن يمكن حكومة الصهاينة من مواصلة الاحتلال وخلق معادلات جديدة في المنطقة.
إن استمرار هذه السياسات في ظل غياب أي ردع دولي حقيقي يضع المنطقة أمام خيارين إما الاستسلام لواقع مفروض بالقوة، أو مقاومة هذا المشروع، خاصة ان استمراره قد يدفع المنطقة نحو موجات من عدم الاستقرار غير المسبوق.