في زمن تُعاد فيه صياغة مفاهيم السفر، لم تعد الدول تتنافس فقط بجمال مواقعها و مناخها، بل بقدرتها على رواية قصتها وتاريخها بلغة ذكية، وبكفاءة تسويقية تقودها البيانات والتكنولوجيا.
هنا، يبرز دور وزارة السياحة كقوة دافعة لتغيير المنظومة بشكل كامل ، من أجل صناعة سياحية معاصرة تبدأ من التخطيط الرقمي ولا تنتهي عند مغادرة السائح للبلد.
التسويق السياحي التقليدي لم يعد كافياً ، فالمطلوب الانتقال فوراً إلى نموذج مدفوع بالتحليلات الذكية والمسلكية ، حيث يتم تتبع تفضيلات السائح، ومتابعة تحركاته الرقمية على المنصات، لتوجيه حملات ذكية وشخصية تصله في الوقت المناسب، باللغة التي يفضلها، والمحتوى الذي يعكس اهتماماته.
هنا يأتي دور هيئة تنشيط السياحة في بناء منظومة تسويق رقمية تعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي لتصميم حملات ذكية تلقائية، وشراكات مدروسة مع المؤثرين على مستوى العالم، تركز على قيمة التجربة لا على الوجهة فقط.
أما المطار، فهو الواجهة الأولى لأي بلد، والنقطة التي يبني فيها السائح انطباعه الأول .. لم يعد مقبولاً أن يبقى المطار مجرد نقطة عبور، بل يجب أن يتحوّل إلى منصة ذكية تبدأ منها التجربة السياحية ، عبر تطبيقات تفاعلية ولوحات رقمية، اضافة لأنظمة تعتمد على بصمة الوجه، وخدمات سياحية مدمجة من اللحظة الأولى، حيث يمكن خلق انطباع فوري عن بلد يفكر تجاه زواره خارج الصندوق بسنوات .
اما شركات الطيران فهي الجسر الحقيقي الذي يصل السائح بالوجهة، وعليه فإن أي استراتيجية سياحية متقدمة لا بد أن تتضمن شراكات استراتيجية مع شركات الطيران لتقديم حزم سفر متكاملة من الطيران، والإقامة، إلى المغامرات المحلية ضمن عروض ديناميكية يتم الترويج لها في الأسواق المستهدفة.
كما يجب التركيز على رحلات مباشرة من مدن غير تقليدية، وخلق مناسبات موسمية تجذب فئات محددة، مثل عشاق التصوير، وهواة المغامرة، أو من يسعون لعطلة روحية.
من الأفكار الواعدة أيضاً تأسيس متحف رقمي للأردن باستخدام الواقع الافتراضي (Metaverse)، حيث يمكن للناس حول العالم زيارة البتراء، وادي رم، جرش، والبحر الميت افتراضياً، ما يولد شغفاً حقيقياً لزيارة الواقع.
كما أن بطاقة السائح الذكية يمكن أن توفر له تجربة متكاملة تشمل الدخول للمواقع الأثرية، ووسائل النقل العام، وخصومات في الأسواق والمطاعم المحلية، وحتى خدمات طبية طارئة مدمجة.
التقنية وحدها لا تكفي إن لم تُصاغ ضمن رؤية متكاملة تُعيد تعريف تجربة السائح، وتحوّلها إلى ذاكرة لا تُنسى. إنها لحظة فارقة..
على وزارة السياحة أن تتحوّل فوراً من راعٍ تقليدي، إلى مهندس للتجارب السياحية، وصانع لقصص لا تُمحى من الذاكرة.
في عالم رقمي صاخب، من لا يُجيد رواية قصته بلغة التقنية… سيُنسى سريعاً.
اما السياحة اليوم فليست زيارة، بل حسٌ نابض يعود كلما استُعيدت الذكرى.