الحركة الإسلامية يروق لها قفز بعض أجنحتها من السفينة تمهيدا للمواجهة
تحركات ملكية مضادة خارج إطار المستشاريات التقليدية أعقبت "هبة تشرين"
السبت-2012-12-15 06:46 pm

جفرا نيوز -
* قيادي إخواني سابق: الجماعة فرحت بـ"زمزم" أكثر من الدولة
* "الوطنية للبناء" تلتقي مع "الوطنية الأردنية" في ضرورة قوننة فك الارتباط
* لغة ملكية جديدة مع النظام الإخواني في مصر وتحالفات محلية غير مسبوقة
جفرا نيوز - خاص - كتب محرر الشؤون السياسية
لم يخف البعض من قيادات الصف الأول والثاني داخل جماعة الإخوان المسلمين في الأردن إحساسهم بالرضى جراء انهيار سقف المحرمات واختراق التابو السياسي في البلاد خلال الأحداث التي تلت إعلان حكومة النسور عن رفع الدعم عن المحروقات، وقد بدا ذلك جليا ضمن صالوناتهم المغلقة التي ناقشت الأزمة في ذلك الحين، وهو لربما ما عجل في ولادة مبادرة زمزم التي حملتها بعض قيادات الاعتدال الإخوانية كرها ووضعتها كرها، لاسيما حين ثبت بالوجه الشرعي لديها أن معظم "هتــِّـيفة" إسقاط النظام في ذلك الحين، كانوا من شباب الحركة الإسلامية وقد هتفوا بهذه الشعارات بأوامر غير معلنة من قيادات في التنظيم لجهة إطلاق الرصاصة الأولى على هيبة العرش والدولة، وهو ماتبرأت الجماعة منه (ظاهريا) حين صرحت لاحقا على لسان أحد أبرز قيادييها بأن سقفها الإصلاح لا الإسقاط.
الثابت قطعا ان ما بعد "هبة تشرين" ليس كما قبلها، إن كان على مستوى النظام السياسي في البلاد، أو على مستوى المعارضة التي تمثل جماعة الإخوان المسلمين أحد أبرز تجلياتها إن لم تكن التجلي الوحيد لها.
مصادر داخل الجماعة أسرت لـ"جفرا نيوز" بأن قائد مبادرة زمزم الدكتور ارحيل الغرايبة، وجد من حالة التخبط التي تعيشها الحركة الإسلامية، وارتهانها المريب إلى الخارج، ومنهجيتها المتبعة في فرز الهياكل التنظيمية من القمة إلى القاعدة، كلها عوامل مبدئية تبعث على ضرورة النأي بالنفس على الأقل عن هذا المسار الذي بات يفت في عضد التنظيم، ويضعف من قواعده الشعبية، وينتهك خصوصية الحالة الأردنية الديمغرافية والجيوسياسية، وبالتزامن كانت المبادرة الوطنية للبناء تتبلور وتكبر طرديا كلما تزايدت الأخطاء والخطيئات التي ارتكبت داخل التنظيم لاسيما على مسار حزب جبهة العمل الإسلامي الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، ثم جاءت احتجاجات تشرين لتكون الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فقد خلص مطلقو هذه المبادرة إلى حقيقة اقتراب البلاد من خيار الفوضى عقب الشعارات غير المسبوقة التي رفعت في المسيرات جراء انسداد الأفق السياسي بين الجماعة والدولة، وانجرار الحركة لتوجيهات التنظيم العالمي والذي عقد العزم على حتمية وصول كافة فروعه إلى السلطة بأي شكل من الأشكال، واستغلال رياح التغيير العربي وهيجان الشارع والقفز على رغبات الإصلاح البريئة التي تنادي بها الجماهير.
إخواني سابق رفض الكشف عن اسمه، اكد لـ"جفرا نيوز" ان المطبخ والأمني والسياسي في البلاد ربما تروق له مبادرة زمزم ظنا منه بأنها تعد انشقاقا قد يخلط اوراق الحركة الإسلامية ويكرس انقسامها ويضعف نفوذها ويثنيها عن أهدافها الكبرى، بيد أن الحقيقة هي خلاف ذلك، فمن تروق له هذه المبادرة فعليا ليس الدولة بل الجماعة التي أزيلت من حلقها عدة أشواك كانت فعليا تحول بينها وبين استفرادها بسلطة اتخاذ القرار وتحقيق الإجماع الكافي لتنفيذ مخططاتها التي دقت ساعة إطلاقها وفق فهم بعض قيادات الصقور.
ويضيف القيادي الإخواني المستقيل من التنظيم منذ سنوات عدة، إنه على قناعة راسخة بأن الجماعة تعتبر ما جرى بمثابة تخلص تلقائي من فريق كان يحول بينها وبين تحقيق حالة اتفاق بالأكثرية على خيارات صعبة ومغامرات غير محسوبة، من هنا فإنها غضت الطرف عن المبادرة ولم تتحامل عليها بقوة، بل إنها نفت انتساب بيان شديد اللهجة لها بعد أن كان أطلقه بعض الشبان المتحمسين داخل التنظيم يهاجمون فيه الغرايبة ومبادرته، واكتفت بمقررات خجولة تمنع أعضائها من الانتساب لهذه المبادرة التي اعتبرتها مجرد تنظيم داخل تنظيم دون توجيه أية عبارات اتهامية لمطلقيها، ما يؤكد أن الإخوان فرحون بما جرى لجهة اعتباره مدعاة لرص الصف ووحدة الكلمة والانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل المغالبة مع النظام، وهي بالفعل من أخطر المراحل منذ أن بدأت حالة الشد والجذب بين الجماعة والدولة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي حيث شهدت تلك الفترة توجه النظام للحد من تمدد الإسلاميين في السلطة، عبر إعادة النظر بقانون الانتخاب حين أمر الراحل الملك حسين بتهيئة الظروف لهذه الغاية من خلال الاستطلاعات وغيرها، ومالبث ان صدر قانون الصوت الواحد (رقم 15 لسنة 1993)، والذي حل محل نظام القائمة المفتوحة فأحبط طموح الإسلاميين في تحقيق اكثرية نيابية قد تتيح لهم في يوم من الأيام تشكيل حكومة برلمانية منتخبة، في ظلال ملكية دستورية.
تحركات ملكية مضادة
ولأنه وكما أسلفنا سابقا بأن ما بعد "هبة تشرين" ليس كما قبلها، إن كان على مستوى الإخوان، أو على مستوى النظام السياسي في البلاد، فإن الأخير تنبه وعلى أعلى المستويات لخطورة المرحلة، وأيقن ان الحركة الإسلامية تستعد لجولة صاخبة من المواجهة، فتحرك ممثلا برأس الهرم السياسي وفي عدة اتجاهات وصفها مصدر رفيع المستوى بأنها حدثت خارج إطار "المستشاريات" السياسية والأمنية التقليدية في البلاد، بدءا من اللهجة الأردنية الجديدة (غير الدافئة) مع النظام الإخواني القائم في مصر، والإجراءات العملية التي اتخذت لجهة ترحيل العمالة المصرية الوافدة كورقة ضغط مضادة لسياسة انهاك الأردن اقتصاديا عبر تقليص إمدادات الغاز المصري، ومرورا بموقف الأردن الرافض للتدخل المباشر في الأزمة السورية تجنبا لخسارة (أعداء الإمبريالية) من مؤيدي ما يعرف بمحور الممانعة على الأرض الأردنية، وانتهاء بزيارات جلالة الملك ذات الاتجاهات غير المسبوقة، والتقائه بالشخصيات القومية واليسارية في منزلي الوزيرين السابقين أيمن الصفدي ورجائي المعشر، فما دار من حديث خلال هذه الزيارات الفريدة من نوعها يكشف - بحسب المصدر – عن تحالف متين قد ينشأ بين القصر وأطياف من المعارضة غير الإخوانية في إطار مواجهة سيناريوهات سياسية محتملة تسعى الحركة الإسلامية إلى تنفيذها بوحي من امتدادها العالمي، وقد جيشت حالة "أخونة" الدولة التي انتهجها إخوان مصر حين صعدوا إلى السلطة، التيارات اليسارية والعلمانية في الداخل الأردني ضد الإخوان، ناهيك عن الثأر القديم الذي تود هذه التيارات أن تأخذه من الإسلاميين في تبادل مفترض للأدوار حين اصطف في خمسينيات القرن الماضي الإخوان خلف النظام وتحالفوا معه لضرب المعارضة القومية واليسارية.
ولعل ما أسهم ايضا في تمتين هذا التحالف موقف الدولة الأردنية من الأزمة السورية والذي يحظى برضى السواد الأعظم من هذه التيارات، ناهيك عن وعود ما جرى قطعها لجهة اتخاذ اجراءات عملية تحسم القلق الوجودي المرتبط بالأطماع الصهيونية في الأردن، وهو - بالمناسبة - الأمر الذي تلتقي به هذه التيارات حتى مع مبادرة زمزم ذات الطابع الإسلامي.

