في الخامس والعشرين من أيار عام 1946، كتب الأردنيون بقيادة الهاشميين أول سطور المجد والسيادة، حين أعلن المجلس التشريعي استقلال إمارة شرق الأردن، وتحويلها إلى "المملكة الأردنية الهاشمية”، وتنصيب الأمير عبدالله بن الحسين ملكًا على عرشها. لم يكن الاستقلال لحظة عابرة أو بيانًا سياسيًا عاديًا، بل كان تتويجًا لنضال طويل حُفر بالصبر والكفاح والإيمان العميق بوطن يولد من رحم المعاناة. في الأيام القليلة التي سبقت هذا الإعلان، كانت البلاد تعيش حالة من الترقب والتحديات الهائلة؛ موارد محدودة، مؤسسات ناشئة، وظروف إقليمية مضطربة. ورغم كل ذلك، كان هناك من يشعل شمعة الأمل وسط هذا الظلام، ويزرع بذور الدولة بسياسة راشدة ونية صادقة… كان هناك الهاشميون. الأمير عبدالله بن الحسين، القائد الهاشمي، لم يكن ينتظر اعترافًا من قوى عظمى، بل كان يصنع الاعتراف بعزيمته، وبُعد نظره، وصدق التزامه. جال بين العشائر، وفتح قلبه قبل قصره للناس، ووحّد الكلمة، ورفع الهامة، وبنى بوحي الثورة العربية الكبرى دولة تنبض بالكرامة رغم قسوة الظروف. لم يكن في يده مال، بل كان في قلبه إرث عظيم من النضال والوفاء للأمة. وحين ترددت العواصم، كان يحسم. وحين اختلف الآخرون، كان يوحّد. وحين غاب الأمل عن الأفق العربي، كانت عمان الهاشمية ترسله من جبالها وسهولها وشعبها الوفي. الاستقلال لم يكن انسحابًا بريطانيًا فقط، بل كان إعلانًا صريحًا بأن هذه الأرض لا يحكمها إلا من أحبها وخدمها وضحّى من أجلها. وكان الهاشميون في مقدمة من حمل هذا الحب، وتحمل تلك التضحية. لقد خاضوا معركة السيادة السياسية كما خاضوا معركة الكرامة العسكرية. كانوا في كل مفصل من مفاصل تاريخنا عمادًا وركيزة. من الثورة إلى التأسيس، ومن البناء إلى الحماية، كانوا العنوان الأوضح للوفاء والثبات. فالهاشميون لم يكونوا ملوك حكم فحسب، بل قادة مشروع وطني وقومي، حملوا أوجاع الأمة، وسكنوا قلوب شعوبها، وظلوا على العهد، لا يبدّلون ولا يتراجعون. سيبقى الخامس والعشرون من أيار شاهدًا على أن المجد لا يُهدى، بل يُنتزع، وأن الدول لا تُبنى بالكلمات، بل بالمواقف، وأن القيادة حين تكون من معدن الهاشميين، فإنها تصنع من الألم أملًا، من الرمال أوطانًا، ومن التحديات استقلالًا. سيبقى الأردنيون، ما دامت الشمس تشرق على جبال الشراه، يرددون بكل فخر: