النسخة الكاملة

الوطن.. أم

الثلاثاء-2025-05-13 10:55 am
جفرا نيوز -
 محمود خطاطبة 

عُلمنا منذ نعومة أظافرنا، بأن الوطن عبارة عن أُم، ونشأنا وتربينا على وجوب أن تُقطع كُل يد تمتد على الأُم (الوطن)، ويُقتلع كُل لسان يتكلم عليها باطلًا أو زورًا أو بُهتانًا، وإن كان النقد البناء المبني على حقائق ووقائع، مطلوبًا، لا بل ومحمودًا أيضًا.  

وهُنا يتبادر إلى ذهني مقطع من مُسلسل يقول فيه أحد أبطاله: "يُمكن أن يولد شخص بلا أب، لكن مُستحيل أن يولد بلا أُم.. نحن لنا أُم واحدة، هي الوطن.. ولن أندم على حُبي لوطني".

هذه كلمات، سببها حملة التشكيك التي أصابت وطني، قُبيل أيام، فالأردن قدم وما يزال وسيبقى الكثير الكثير لقضايا أُمته العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فشهداؤنا على ثرى الشقيقة المُحتلة فلسطين خير دليل على ذلك، وكذلك ما يتعرض له الأردن من هجمات جراء مواقف عجزت عنها الكثير من الدول القوية ماديا وعسكريا وتعدادا.

لست من دعاة التسحيج أو التهليل أو التهويل، وإن كان في سبيل الوطن فلا ضير، أو من أصحاب المنة على ما يقدمه وطني وأبنائه لفلسطين المُحتلة، فهذا واجب عروبي وإسلامي، وقبل ذلك واجب الشقيق تجاه شقيقه، والوقوف في وجه الظالم نُصرة للمظلوم.

لكن تلك الهجمة تضعنا أمام تحديات جديدة قديمة، فلا يُعقل أن تتصرف دولة، بعد أكثر من قرن على تأسيسها، بهذه البساطة تجاه هجمة، إذا ما ما قورنت بما تعرض له الأردن، من هجمات سابقة أو أزمات بعضها مفصلي، فإنها تعتبر في خانة "التافهة"، وتُشكل صفرًا على الشمال.

يبدو أننا نفتقر إلى خطة مُحكمة، أو استراتيجية واضحة المعالم، للرد على أي هجمة، فعند وقوع الأزمات لا ينفع بمقياس الدول، أو حتى المؤسسات والإدارات، مثل هذه الفزعات، وعلى رأي المثل الشعبي القائل: "العليق عند الغارة ما بنفع".

ما المانع من وجود خطط جاهزة للرد على أي هجمة، أو عند تعرض الوطن لأزمة مفصلية، أو حادث طارئ؟، فما هو مُلاحظ أن الأردن كُل فترة وأُخرى يتعرض إما لهجمة إفتراء أو تشكيك بمواقفه، أو أزمة أو جائحة.. وللأسف تبدأ عملية الرد أو النفي، لكن بطريقة غير مُنظمة أبدًا، سمتها الأساس العشوائية، والاعتماد على معلومات شخصية، مصدرها غير الجهات المعنية، فضلًا عن "انتهازية" أشخاص يُتقنون فرد الرقص على الأزمات.  

لماذا غاب الإعلام الوطني؟، سؤال دائمًا يُطرح عند وقوع مُصيبة أو أزمة أو حملة تشكيك أو تضليل.. الغريب أن المُصطلحات التي يُطلقها بعض المسؤولين، والتي تتمثل بأنهم يعتمدون الشفافية والسرعة والانفتاح، ويعتبرونها منهاجًا وأساسًا لعملهم، لكنهم للأسف بعيدون كُل البعد عن ذلك وقت الأزمة، فتراهم حينًا يغيبون عن المشهد كاملًا، وحينًا آخرًا يتحدثون بشكل مُتأخر كثيرًا، أو على خجل ووجل!، ولا يتم الاعتماد على رواية واحدة موحدة، وكأن لسان حالهم يقول "كُل يُغني على ليلاه".

كُل ذلك، يتسبب بوجود بيئة خصبة للإشاعات، وجعلها حقيقة غير قابلة للنقاش، بدلًا من اعتماد معلومة واضحة، لا لُبس فيها، الأمر الذي يوحي بأننا نفتقر إلى مرجعيات تُعتمد، وإذا وجدت فإن أصحابها يفتقرون لرؤية، لا يمتلكون خطابا موحدا.

نقطة ثانية، مُعظم إن لم يكن كُل من أدى بدلوه، في حملة التشكيك تلك، كان خطابه موجهًا إلى الداخل، مُتناسيًا الرأي الخارجي، أو غير مُهتمًا به، مع أن مصدر هذه الحملة هو الخارج، وهذه لها مُتابعيها وقُرائها.

نقطة ثالثة، تتعلق بأبناء الوطن، الذين تقع عليهم مسؤولية عدم الانجرار إلى تصريحات أو حملات أو هجمات، من شأنها المساس بالوطن، أو حتى الترويج لها، ولو من غير قصد، خصوصًا وقت الأزمات.. صحيح بأن هُناك فجوة ثقة ما بين المواطن والمسؤول أو الحُكومة ككُل، لكن وقت الأزمات الأمر مُختلف تمامًا.

فالمُفكر والشاعر السعودي، علي الهويريني، يقول: "فانظروا في وطنكم وشاركوا في بنائه.. وطن لا نُشارك في بنائه لا نستحق العيش في فنائه.. وطن يُعطينا ولا نُعطيه، هذا هو الظلم بعينه"، وإن كان ذلك يتطلب أيضًا حقوقًا وحماية وحُرية.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير