النسخة الكاملة

في أكنافهن حياة

الثلاثاء-2025-05-13 10:38 am
جفرا نيوز -
بشار جرار

يا سعد من كانت أيامه كلها أعيادا. ويا عز من كان لصاحبة العيد عنده عيدان. ويا بشرى لمن جعل كل يوم في كنفها عيدا يحتفل به، فلا ينقطع الاحتفاء بها أبدا.

أخط هذه السطور ثاني آحاد أيار، وهو في أمريكا عيد الأم. ولأمهات الأمريكيين والمقيمين في بلاد العم سام المنحدرين من أصول مشرقية التي سماها الاستراتيجيون يوما ما الشرق الأدنى فالشرق الأوسط، لأولائي الأمهات عيدان.

للمتزوجين يصير عيد الأم الآذاريّ -في الواحد والعشرين من آذار- أربعة أعياد في ذلك اليوم، حيث يشار إلى والديْ الزوجة بالأم والأب أيضا. فتبقى الكفة راجحة لصالحهن لا حُرمنا رضاهن، ويكون حظ أم الزوجة وأم الزوج حظيّ الأبوين، والخير كما يقال «خيرين»!

رضى الوالدين كما هو معروف في الأديان كلها لا يتجزأ، وإن تباين التركيز وفق سياقات النصوص الدينية، وحيا أو نقلا أو تأويلا. «أكرم أباك وأمك» رابع الوصايا العشرة. قدّمها رب الأرباب سبحانه رب العالمين على وصية «لا تقتل». وكأني أرى من معانيها أن إكرام -وليس مجرد الإرضاء- هو أعلى منزلة من الحفاظ على حياة البشر، كل البشر. فمكتوب أيضا في الكتب السماوية، في العهد القديم من الكتاب المقدس والقرآن الكريم أنه «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا». وفي المصحف الشريف نقرأ الإرشاد المشدد بأن «لا تقل لهما أفّ». تلك «الأفّ» صارت في زمن الصور الانطباعية الحركية على الألواح الذكية «إيموجي» بلهاء خرقاء كتلك التي تدور في محاجر العيون وتتسمر الأحداق إلى الأعلى كناية عن الملل «التأفُّف»، و»الصبر والأناة» كما في العهد الجديد من الكتاب المقدس محبة.. كبُرَ مقتا عند الله ذلك العقوق. ما عاد وجاهيا فقط، بل صار «سايبريّا» أيضا لا يخلو من «الهايبر»!

 بين الفينة والأخرى، تداهمنا كتسونامي أرضي-سماوي أخبار تتعلق بدور المسنين أو رعاية كبار السن، بصرف النظر عن تسمياتها، فلكل ثقافة وحالة لها من المعنى والحكم أمام الضمير الإنساني، والأهم بين يدي الديّان وحده. كما تحمي الدولة عبر سلطتيها التشريعية أولا ومن ثم التنفيذية والقضائية الصغار، كذلك تحمي الكبار. في الحديث الشريف «ليس منّا من لا يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا». الكبار ليسوا فقط كبار السن، ثمة كبار القدر وكبار الشأن من ذوي الهمم وأولي العزم.

من أكرم وأعز من الأمهات والآباء؟ من جعل من حبه لوالديه وسعيه لرضاهما في الدنيا والآخرة، أمرا خاصا-عاما يعني كل أم في وطنه، لا بل وأمهات الدنيا كلها، فيجعلهما أول الأولويات إلى جانب القضايا السياسية والاقتصادية الكبرى التي تكاد تشغل 99%  من إعلامنا وصحافتنا التي لا بد أن تسترد ميزتها النوعية، بأن تكون المحلية شأنها الأول، وشغلها الشاغل..

مُقدّرٌ تصدي التشريعات والإجراءات لحالات مازالت ولله الحمد شاذة، مثل العنف الأسري التقليدي كالإيذاء الجسدي واقتراف أبشع الجرائم وتكاد كلها تكون جراء تعاطي السموم المسماة المخدرات، لكن ماذا عن الاشتباك الاستباقي مع العنف البطيء الممنهج الممعن بالإيذاء النفسي «كسر الخاطر»  والمفضي إلى القتل وإن كان بسكتة أو «جلطة» لا يصح أبدا أن تكون اسما لبرنامج فكاهي!؟

إنها القطيعة، وهي أكبر من مجرد الصورة التقليدية النمطية عن «صلة الرحم». ليست المسألة هدية ولو كانت ماسة ملء اليد أو أونصة في زمن الاستثمار في الذهب لمواجهات عاديات الزمن. تبقى هدايا مادية وموسمية، سواء في عيد الأم أو أي مناسبة دينية أو اجتماعية.

كل يوم نعيش فيه في كنف، بل في أكناف أمهاتنا ولو عن بعد، عيد نحيا به وتحيا معه أسرنا ومجتمعاتنا وأوطاننا. إدامة التواصل لا الاتصال، إدامة التواصل النوعيّ مع الأمهات خاصة من باعدت بينهن وبين فلذات أكبادهن هذه الدنيا في هذا الزمن، واجب يجب أن يحاسب المقصر على تركه أيا كان، وهناك أدوات تشريعية وإجرائية بيد الحكومات، إن حرصت على أداء واجبها في حماية الوطن ورعايته.

أولسنا كلنا كبشر على اختلاف الثقافات نشير إلى بلادنا، على الوطن بأنه الأم؟ العقوق والرضى كلٌ لا يتجزأ. وغير صحيح أبدا، أن السلوك الشخصي غير المهني أو الوطني. كلها تدل على بعضها بعضا. وللمتخصصين -ولا أذيع بذلك سرا- للمتخصصين في استخراج التصريحات الأمنية، عالية المستوى للمناصب القيادية العليا في القطاع الخاص أو العام في عدد من الدول من بينها أمريكا، تدقيق خاص بأهم جانب في السيرة الذاتية، ألا وهو كيف يتصرف ذلك المُستطلَعُ أمره الذي ستأتمنه الأمة على مقدراتها وشؤونها، كيف يتعامل مع أهل بيته. مازالت القاعدة الذهبية هي «خيركم خيركم لأهله»..

 ليست صدفة في بلاد العم سام، أن يكون أداء القسم بحضور أفراد الأسرة كلها لمن يحظى بتسمية الرئيس وتثبيت الكونغرس على منصب عام.. تقليد بدأ قبل ثمانية وتسعين عاما في عهد الرئيس الثلاثين للولايات المتحدة، كالفِن كوولِدج.

كل عام وأمهاتنا وأوطاننا والدنيا كلها بخير، ما دمن هنّ تاجا ونيشانا وصولجانا..

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير