جفرا نيوز -
بشار جرار
رأى الناس من البابا فرانسيس وسمعوا منه وعنه ما يليق بالحَبر الأعظم، رأس الكنيسة الكاثوليكية السادس والستين بعد المئتين، الراحل الذي تميزت مدة جلوسه الاثنتي عشرة سنة على كرسي بطرس الرسول، بأسمى آيات المحبة، وأرقى معاني الخدمة، متمثلة بالمثال الذي اقتدى به، من بعد السيد المسيح، وتسمى به الأرجنتيني جورج ماريو بيرغوجليو، القديس فرانسيس الأسيزي، مؤسس رهبنة الفرنسيسكان سنة 1208.
من إسيزي في إيطاليا إلى الأراضي المقدسة غرب نهر الأردن وشرقه، حيث ميلاد ومعمودية وبشارة وكرازة وقيامة السيد المسيح، لا زال «حراس الأراضي المقدسة « تيرا سانطة، يُعرفون بعَقد روحي في ثناياه ما هو أشمل وأعمق من أي عقد اجتماعي في أي دولة في العالم.
العقد-العهد فيه ثلاث عُقَد يتزنّر بها رهبان الفرنسيسكان. العقدة الأولى ترمز إلى الفقر، والثانية العفة، والثالثة الطاعة. الناظر في سيرة قداسته قبل توليه أمانة حاضرة الفاتيكان، ونحو مليار وأربعمئة ألف كاثوليكي في العالم، من بين مليارين وثلاثمئة ألف مسيحي في هذه المعمورة، يرى تواضعا وبساطة وجرأة عز اجتماعها في قيادة روحية أو سياسية، تجلت فيها المحبة والخدمة في صور انبهر بها المنصفون من مختلف الأديان والأعراق والثقافات، بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية، وزادت من إيمان خلود الرسالة التي تجلت بمحبة السيد المسيح وخدمته على هذه الأرض الذي نؤمن -مسلمين ومسيحيين- أنه راجع إليها، لا بل آت إليها بمجد في آخر الزمان، بما يفرح قلوب المؤمنين، وقد كانت نظرته للمؤمنين -رحمه الله- أكبر من تصنيفات المتشددين والمتطرفين، الظاهرين والكامنين والمتلونين، رحمنا وإياهم الله أجمعين.
كثيرون أولى وأقدر مني كطالب علم ما زال ينهل من معين كلية تراسنطة في جبل الياسمين في عمّان الحبيبة -فيلاديلفيا (مدينة المحبة الأخوية) وربة عمّون، أقدر مني على التعبير عن محبة وتقدير العالم لقداسة البابا الراحل إلى الملكوت الأعلى، وكما يقول إخوتنا المسيحيون في العالم كله وفي أردن الطهر والقداسة: مع المسيح أفضل.
مما يذكر في هذا المقام الجليل من على هذا المنبر الكريم، دعوة البابا الراحل العالم كله إلى «بناء الجسور لا الجدران».. جسور المحبة لا كما عرّفها خليفة بطرس الرسول فرانسيس، بل كما نادى بها السيد المسيح قبل ألفي عام في «عِظة الجبل»، هناك في الجليل على جبل التطويبات قرب كَفْر ناحوم، بأن «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم». فحتى الجدران إن وجدت، وكان من خلفها من يظنون أنفسهم أعداء، هم في حقيقة الأمر «أحبّة» في عيون الفرنسيسكان والمسيحيين، قديما وحديثا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..