جفرا نيوز -
الدكتور محمود عواد الدباس
خلال فترة الربيع العربي (2011-2014م) تمكن الأردن في تعامله مع جماعة الإخوان المسلمين من إيجاد حالة من التوازن بين محورين اثنين على الصعيدين العربي والإقليمي. المحور الأول الذي يضم (مصر والسعودية والإمارات) وهي دول قامت بحظر جماعة الإخوان المسلمين، يقابلهم المحور الثاني الحاضن للإخوان والذي يضم دولتي (قطر وتركيا). لقد نجح الأردن في إيجاد هذا التوازن في السنة الأخيرة من الربيع العربي حينما تم سحب ترخيص الجماعة. لكن على الرغم من ذلك، وإلى طيلة عدة سنوات لاحقة، فقد سمح لها بحرية الحركة بحدود معينة. وعلى الرغم مرة أخرى من صدور قرار قضائي قطعي بحل جماعة الإخوان المسلمين في العام 2020م، مع ذلك سمحت لهم الدولة بالتحرك السياسي.
في مرحلة طوفان الأقصى (2023-2025م) لم يتمكن الأردن من الاستمرار في سياسة التوازن بين المحورين الاثنين، والسبب هو ما قامت به جماعة الإخوان بشكل تصاعدي منذ أكتوبر من العام 2023م، وآخرها تورط عدد من أعضائهم في خلية تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة. مما جعل الأردن يحسم أمره نحو الانحياز إلى المعسكر المعادي للإخوان المسلمين (مصر والسعودية والإمارات). لكن مع ترك مساحة غير محسومة تخص حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يعتبر أنه الواجهة السياسية للجماعة.
يوم أمس الأربعاء، أعلن وزير الداخلية في مؤتمر صحفي تنفيذ القرار القضائي بحل جماعة الإخوان المسلمين والصادر قبل عدة سنوات كما ذكرنا، مع إغلاق مقراتها ومصادرة أملاكها. مباشرة توقعت كرَدة فعل على ذلك إقدام نواب حزب جبهة العمل الإسلامي على تقديم استقالتهم من مجلس النواب. وربما يتبع ذلك مبادرتهم نحو حل الحزب مع الانسحاب من الحياة السياسية.
في التوقف على الأساس النظري الذي قام عليه توقع مبادرة نواب حزب جبهة العمل الإسلامي إلى الاستقالة من مجلس النواب، فهو يعود أساسًا إلى البدايات الأولى منذ العام 1992م حيث تم تأسيس الحزب كي يكون واجهة سياسية للجماعة. يؤكد ذلك أن أهم شرط غير مكتوب أن يكون الأمين العام للحزب من أعضاء الجماعة. ذلك أن هنالك منتسبين للحزب ليسوا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. من هنا، وبعد قرار حل الجماعة، فإنه لا داعي لوجود الحزب.
في ذات الاتجاه، لن ينتظر نواب حزب جبهة العمل الإسلامي نتائج الحكم القضائي فيما لو تم إدانة الحزب، خاصة وأن ثلاثة من أعضاء الحزب هم من المتهمين في خلية الصواريخ والطائرات المسيرة. يعزز ذلك التوجه الاستباقي المتوقع لديهم هو دخول الأجهزة الأمنية مساء أمس إلى مقرات الحزب الأربعين والقيام بتفتيشها مع مصادرة عدة وثائق وأجهزة حاسوب.
أيضًا هناك نقطة أخرى قد تعزز في مسارعتهم إلى الاستقالة من مجلس النواب، وسببها أن عموم الرأي العام الأردني هو مؤيد لقرار الدولة تجاه الجماعة لأسباب تراكمية تصاعدية بدأت منذ أكتوبر من السنة قبل الماضية. وحيث أن الرأي العام ينظر إليهما أي الجماعة والحزب أنهما وجهان لعملة واحدة، فإن طبيعة النظرة إلى نواب الحزب ستكون نظرة غير مريحة لهم داخل البرلمان وعبر شاشات القنوات التلفزيونية.
على الجهة الأخرى، ولغايات استكمال قراءة المشهد السياسي، ماذا عن توجهات الرأي العام تجاه البرلمان؟ فالمؤكد أنه أيضًا لا يريد بقاء البرلمان الحالي لأسباب متراكمة منذ أن بدأ أعماله، وخاصة في جلسة الاثنين الماضي، حينما شاهدوا الأسلوب الذي تحدث به أغلب أعضاء مجلس النواب. مما يعني الحاجة إلى نوعية جديدة من النواب مؤيدة للدولة، كما أنها تراقب أعمال الحكومة وتكون ذات سوية ثقافية وسياسية حقيقية وليست شكلية.
ختامًا، فإن قرار حل وحظر جماعة الإخوان المسلمين يعني أن الأردن على الصعيد العربي والإقليمي قد تحول من موقف التوازن بين محورين اثنين، أحدهما رافض للإخوان والآخر داعم لهم، إلى مرحلة الانحياز إلى المحور المعادي للإخوان المسلمين. أما بما يخص حزب جبهة العمل الإسلامي، فإن السؤال: أيهما يسبق الآخر في الضربة السياسية القادمة؟ هل تسبق الدولة؟ أم يسبق الحزب؟ إذا سارع نواب الحزب إلى الاستقالة من مجلس النواب، فهم من يسبق الدولة. أما إذا حلت الدولة مجلس النواب، فهي من تسبق الحزب، مع إجراء انتخابات جديدة، يكمل فيها المجلس النيابي الجديد ما تبقى من مدة المجلس النيابي المنحل.