من هوايات الطفولة، جمع الطوابع. كانت وسبتقى رغم الأتمتة والرقمنة والثورة في المعرفة والمواصلات والاتصالات، ستبقى الطوابع قيمة تاريخية حضارية.
ستة عقود مرت على أربعة عشر طابعا حمل اسم المملكة الأردنية الهاشمية وشعارها، مكرسا لاحتفالات الأردنيين المسيحيين ومسيحيي المعمورة، ومواطني ومحبي الأراضي المقدسة شرق نهر الأردن المقدس وغربه، بالعيد الكبير لدى إخوتنا المسيحيين، عيد القيامة المجيدة، عيد الفصح المجيد.
الواجب في أيامنا هذه التوقف والنظر مليا، والانحناء أمام جلال القرار والموقف ألا وهو اعتماد المملكة الأردنية الهاشمية عرشا وحكما وخلُقا عنوانا رئيسيا لتلك المجموعة الخالدة المختومة بكلمتين أسأل الله أن يراها الناس كافة هناك في القدس العتيقة، في قدسنا الحبيبة حيث درب الآلام التي سارها السيد المسيح، كلمة الله، المسيح الحي العائد في يوم لا ريب فيه كما يؤمن المسلمون والمسيحيون.
الشجاعة الروحية والأخلاقية ومن بعد الشجاعة والحكمة والحنكة السياسية والإعلامية دفعت صاحب القرار عام 1965 في مؤسسة البريد الوطنية مخاطبة العالم كله من خلال السواح والزوار بما يجمع الناس وإن اختلفت التآويل والتفاسير والروايات كل حسب معتقده والناس أحرار فيما يؤمنون. الناس في تلك الأيام، كانت تخرج من بيوتات نشأت على أن «الدين لله والوطن للجميع». وكذلك كانت المدارس -حيث يرى الزائر لقدسنا التي نحب ونصلي من أجل سلامها وسلام العالم معها- كانت متعددة الأديان والطوائف والمذاهب، لكنها موحدة في احترامها لحرمة الأديان والأوطان، ولحق وواجب القائمين على الوعي والرأي والحس والذوق العام بأن يربوا أجيالا مدركة لحكمة الخالق سبحانه في تعددية لا تفسد للود قضية.
لو كان في الأمر مجاملة، لاكتفى صانع القرار يومها بطابع واحد سماه مثلا عيد الفصح المجيد. لكنه يدرك أن ثمة فصحا يهوديا وفصحا مسيحيا وأن الفصحين مختلفان كليا. وأدرك صانع القرار الواثق من نفسه يومها أيضا أن ما حفظته الكنائس كلها والمؤرخون من غير المسيحيين بمن فيهم الرومان واليهود للجمعة العظيمة كانت أربعة عشر محطة على درب آلام السيد المسيح.
كم نحن، ولا أقول نحن كأردنيين فقط أو كمسيحيين أو كمسلمين ولكن نحن كمؤمنين بقيم المحبة والسلام إلى حد الفداء، كم نحن بحاجة إلى طوابع تعيد طبع هذه الصور المجيدة في العقل والوجدان حينها قد نرى قضايا كثيرة بصور أكثر وضوحا أو مختلفة كليا.
أعلم يقينا أن كثيرين في العالم وليس الشرق الأوسط فقط، تولدت لديهم مشاعر مختلطة أو مختلفة عند قيام السفير الأمريكي في إسرائيل مايك هاكابي (تلفظ هَكَبِ) بالصلاة معتمرا القلنسوة اليهودية من أجل «سلام القدس وعودة المخطوفين»، والرسالة التي وضعها بيده «قصاصة دعاء» بخط يد الرئيس دونالد ترامب استلمها أمانة الخميس الماضي في البيت الأبيض من الرئيس، ليدسها في ثنايا حجارة «الحائط الغربي» المعروف بحائط المبكى لدى اليهود والبراق لدى المسلمين. السلام ممكن مادامت المحبة قائمة. في نهاية المطاف سيحل السلام الذي لا يتحقق أحيانا إلا عبر درب آلام. لا بد من العودة إلى الجذور والأصول، السلام لا يتحقق إلا من الداخل. السلام مع الذات قبل السلام مع الآخر. صحيح أن في الأمر الكثير من السياسية والاقتصاد والمصالح والهواجس منها المبرر ومنها المزيف، لكن الأمر منوط بنياط القلب، إن عرف أحبّ وإن أحبّ وجد طريقا للقيامة من آلام العنف. فكل عام والجميع بخير. بانتظار طوابع بريدية أردنية تذكّر العالم كله برسالة المملكة الأردنية الهاشمية، بماضينا التليد ومستقبلنا المجيد بعون الله.