النسخة الكاملة

علينا أن لا ننسى... الأردن ليس مجرد وطن

الأربعاء-2025-04-09 04:44 pm
جفرا نيوز -
يونس الكفرعيني

في خضمّ الحياة اليومية، وسط الضغوط الاقتصادية والتحولات الاجتماعية، وفي زمن تكثر فيه الأسئلة وتقلّ فيه الإجابات، يبقى سؤال الهوية والانتماء مطروحًا على الدوام: ماذا يعني أن تكون أردنيًا؟ هل هو مجرد انتماء إداري، أم رابط روحي، ثقافي، وتاريخي لا يمكن فصله عن الذات؟

هو ليس فقط حدودًا مرسومة على الخريطة، ولا مجرد دولة في نشرة الأخبار. إنه تاريخُ نضالٍ، وحكايةُ كرامة، ومشروع إنساني عربي حافظ على قيمه في زمن المتغيرات السريعة. إنه وطن الإنسان، قبل أن يكون وطن الأرض.

منذ تأسيس الإمارة عام 1921، والأردن يشقّ طريقه وسط التحديات، ببُعد نظر قيادته، ووعي شعبه، وصدق نواياه تجاه أمته، لم تكن رحلة التأسيس سهلة، فقد وُلد الأردن في منطقة مضطربة، ومحاطًا بإرث استعماري ثقيل، لكنه اختار أن يكون دولةً ذات سيادة، مستقلة في قرارها، متوازنة في موقفها، راسخة في مبادئها.

شعبه، على اختلاف أصوله ومنابته، لم يتعامل مع الوطن كمكانٍ فقط، بل كمصير مشترك، كهويةٍ موحّدة، تنصهر فيها الهويات الصغيرة لتُنتج ما هو أكبر: الهوية الأردنية الجامعة، فتاريخ الأردن هو قصة استقبال. استقبل اللاجئين الفلسطينيين، واحتضن العراقيين، وآوى السوريين، وفتح ذراعيه لليمنيين والليبيين، وغيرهم كثير، ولم يكن ذلك ضعفًا أو خضوعًا، بل كان التزامًا أخلاقيًا وإنسانيًا، فمن يقرأ في جوهر السياسة الأردنية، سيجدها دائمًا منحازة للإنسان، للحق، وللأخلاق.

الأردن لم يكن يومًا منغلقًا على ذاته، بل كان شجرة ظلّها واسع، جذورها في عمّان، وأغصانها تمتدّ لكل قلبٍ عربي، من أبسط موظف إلى أعلى مسؤول، يبقى مبدأ الكرامة حاضرًا في الثقافة الأردنية، نعم، نواجه تحديات اقتصادية صعبة، لكن بقيت الكرامة محفوظة، لم نرَ في الفقر عيبًا، بل في التخلي عن القيم، ولم نجعل من قلة الموارد ذريعة للتقاعس، بل كانت حافزًا للابتكار والعمل والاجتهاد، فالفقر في وطنٍ حر، خيرٌ من الغنى في وطنٍ مُهان.

منذ عقود، استطاع الأردن بناء نموذج مستقر في منطقة ملتهبة، مؤسسات تعليمية، جامعات، مستشفيات، نظام قانوني واضح، جهاز أمني محترف… كل ذلك تحقق رغم قلة الدعم الدولي وضغط الأزمات المتكررة، هذه الإنجازات، وإن لم تكن صاخبة، لكنها راسخة، وهي ما يجعل المواطن الأردني يشعر بالأمان، ويثق بأن وراء هذه الدولة من يعمل بإخلاص، حتى وإن لم يظهر في الإعلام.

يجب أن نعيد تعريف "حب الوطن" للأجيال القادمة، هو ليس فقط رفع العلم في المناسبات، أو ترديد النشيد في الطوابير الصباحية، حب الوطن هو أن تحترم القانون، وأن تؤدي عملك بإخلاص، وأن تدافع عن الحقيقة، وأن لا تسمح بالإساءة لمؤسسات الدولة أو تشويه سمعة الوطن لمجرد الاختلاف السياسي، هو أن تبقى مخلصًا، حتى عندما تُصاب بخيبة أمل، أن تُحافظ على الأمل، حتى في زمن الإحباط.

في النهاية، الأردن ليس مجرد وطن نعيش فيه، بل هو الوطن الذي يعيش فينا، هو الحنين الدائم، وهو الصورة في الذاكرة، وهو دعوة الأم في آخر الليل: "الله يحمي هالبلد". فلنحبه كما يليق به.

ولنظل نرددها دائمًا:

"علينا أن لا ننسى… الأردن ليس مجرد وطن."
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير