النسخة الكاملة

الملهاة الصغرى والقضايا الكبرى

الثلاثاء-2025-04-08 09:46 am
جفرا نيوز -

د. محمد العزة

« إذا رأيت الموضوعات الصغرى تعلو في أحد المجتمعات على الوعي المنطقي والكلام في  المواضيع الكبرى، فإننا بصدد الحديث عن مجتمع لا مبال».

اليوم تسليط الاضواء على ظاهرة افتعال بعض القوى التنظيمية الحرائق المتكررة المتعمدة من خلال  إشعال واشغال الرأي العام  حول قضايا هامشية فرعية بين الحين والآخر، لصرف الأنظار عن الملفات الرئيسية الداخلية الحقيقية التي تحظى باهتمام العامة في الشارع، أمر يستحق التوقف عنده، خاصة اذا كانت تلك الملفات اخر هم هذه الجماعات، تاركة إياها خلف ظهرها هاربة منها كما جاء في محكم التنزيل  ? * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ?[سورة المدثر]، في إشارة واضحة، واعتراف دال  على أنها لا تملك من زمام امرها، أو في يدها شيء لتقدمه في سبيل حلها.

ظاهرة اكتسب نقاشها درجة عالية من الأهمية، بل من القناعة والقطعية أنه آن الأوان  لحسمها، في غمرة مرحلة غاية من الدقة والحساسية يمر بها الاردن، تستدعي منا التركيز على الشأن الداخلي الاردني الذي يدعي البعض أن أغلبية الشارع فوضتهم برلمانيا لأجل الدفاع عن حقوقهم، لكن السؤال ماذا كان ينص ذلك التفويض ؟

المفترض أنه كان لنقاش تحسين الأداء الرقابي للعمل الحكومي داخل البرلمان ومتابعة عدد المشاريع المقامة والشركات المسجلة حديثا والاستثمارات المستقطبة وزيادة حجم  فرص العمل والتشغيل لخفض معدلات الفقر والبطالة، ثم فتح ملف فاتورة الطاقة والانتقال الى تطوير المرافق الصحية والتعليمية وتهيأت البنية التحتية والبيئة الجاذبة استثماريا ومكافحة الفساد والترهل الاداري لإعادة الثقة بأن لدينا قوى سياسية حية، تمارس نشاط الاحياء فكرا وطنيا وجدانيا برامجيا منتجا لا تذكرنا بخطابات الاموات الذين قضوا إلى ما أفضى عملهم، الأمر الذي ينسحب إيجابا على تحسين الظروف السياسية والاقتصادية والمعيشية للمواطن الاردني المنهك، المحصلة زيادة في الإنتاجية وارتفاع الدخل ودعم القوة الشرائية والحركة التجارية ليكون تحصيل الضرائب عن طيب خاطر وهذا ما يحسن عجز الموازنة للأفضل وقدرة سداد المديونية، وعلى الصعيد  الوطني يعزز تماسك الجبهة الداخلية بدلا من زعزعتها ودور المواطنة الفاعلة وتجذير الهوية الوطنية الأردنية.

أعلاه يقودنا إلى سؤال هام اخر من يشعل هذه الملهاة الصغرى ؟ ومن يعمل على تغذيتها ؟ جملة ما كتبناه اعلاه المفترض انه اهداف ذلك التفويض لكن على أرض الواقع هو فهم خاطئ لترجمة نتائج الانتخابات التي جاءت تحت وطأة ظروف استثنائية لن تتكرر ولكن يراد إطالة عوامل النجاح فيها   لتمديد ذلك التفويض قدر المستطاع، الذي تم فهمه على أنه موافقة لتجاوز الممارسة الديمقراطية والإفراط في اثارة النقاش المؤدي إلى تقويض العلاقة بين سلطات الدولة الأردنية ومواطنها.

  الاهم من العناوين هو من يقف خلفها وأهدافه من تكرارها واشغال الناس فيها وجعلها ملهاة وأداة تشتيت لهم تصرف أنظارهم عن شؤون احتياجاتهم ومطالبهم وقدرتهم عن التعبير عنها، الأمر الذي يستوجب ذكر تلك الجهات صراحة وتوجيه النصح لها اولا، والحوار معها ونقد سلوكها ثم ارشادها فإن لم تستجب وآثرت الاصرار والاستمرار على ذات النهج والمعتقد هنا تصبح ظاهرة مقلقة تستحق العلاج بكل ماهو يلزم.

في المشهد الأردني العام ما يحدث في الآونة الأخيرة من صرف الانظار عن القضايا الرئيسية الكبرى امر مؤسف.
 الهمز في قنوات فرعية غير بريئة، تضعف التركيز والالتفات صوب ملفات داخلية هي الأحق والأولى بالاهتمام وإخضاعها للنقاش وإبداء الرأي وإشباعها  نقدا وتحليلا للوصول إلى الحل الامثل لحلها بدلا من افراغها من مضامينها وضياعها في ادراج النسيان ودهاليز  الممر اللولوبي للملهاة.

الاخطر  هو ممارسة ازدواجية المعايير في لغة الخطاب من تلك الجهات  لنلحظ  أساليب الشك واحيانا الصمت عندما يتعلق الموضوع أو العنوان في شأن من الشؤون الوطنية أو تلك التي لا تحقق ذلك المستوى من المكاسب الشعبية السياسية، في حين اذا ما كان العنوان يمس شأن من شؤونهم يتم على الفور اعلان النفير واستدعاء احتياط الأقلام والكتاب والاستقواء بهم، ثم استرجاع ذاكرة ارشيفهم وإظهار أنفسهم  أنهم ضحية، تنتظر رد الجميل نظير ما قدمت من تضحية للوطن، والحقيقة أنه طرح احادي يهمل المعرفة وابجديات الحقوق والواجبات تجاه وطن اردني هو للجميع كلنا فيه شركاء.

  المسار الصحيح نحو اردن اقوى موحد كلنا له نسعى، يستوجب العودة إلى فهم  أساسات إدارة الدولة وتقديم القضايا الوطنية الكبرى اولا، لنضع نصب أعيننا ان المصلحة العامة غاية الحكم، وعلينا في هذا الوقت الاصطفاف خلف الوطن ولا  ننجرف خلف اي فكر منحرف أو طرف متطرف بوصلته غير الأردن واستقراره وأمنه ومصلحته الوطنية العليا، ودعم ثوابته ومواقفه من قضاياه وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وسيبقى جيشنا العربي سياجه الحامي بعد مشيئة الله.

 الأردن غايتنا القصوى وطننا غالبا وليس مغلوبا، طالبا وليس مطلوبا،  ننصره ظالما أو مظلوما نشهد له بالحق ولا نشهد عليه زورا، ليظل عزيزا كريما آمنا مطمئنا مستقرا.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير