تحويل 4 مواطنين أردنيين إلى سلطات النيابة والقضاء بعد توقيفهم على خلفية حسابات إلكترونية تروج لثقافة الكراهية في المجتمع، خطوة في اتجاه واضح ومؤكد الآن ينطوي على رسالة يفترض أن تردع شبكة من المغامرين عبر منصات التواصل الاجتماعي الذين يحترفون إثارة البلبلة والانقسام في المجتمع.
استدعت مديرية الأمن العام عبر وحدة الجرائم الإلكترونية الأشخاص الأربعة، ثم تم إيقافهم على ذمة التحقيق لعرضهم على النيابة.
والأساس القانوني هو مخالفة نصوص واضحة ومحددة في قانون الجرائم الإلكترونية من الصنف الذي يمنع أو يحظر تعكير صفو المجتمع وإدارة نقاشات إلكترونية على الشبكة من الطراز الذي يمكنه خدش الوحدة الوطنية أو يسيء إلى السلم الاجتماعي الأهلي.
تلك خطوة تنطوي ولأول مرة تقريباً على استخدام جديد وفي الاتجاه الصائب لبنود وتطبيقات قانون الجرائم الإلكترونية تحت عنوان الحفاظ على السلم الأهلي وحماية المواطن الأردني من التعليقات والمتابعات السلبية النشطة.
وهو ما طالب به طوال الوقت ناشطون حقوقيون استرسلوا في التحذير من تخصيص تطبيقات قانون الجرائم الإلكترونية فقط لملاحقة المعارضين والنشطاء أو أصحاب الرأي الآخر. الراصد والمحلل السياسي الإسلامي الدكتور رامي العياصرة، كان قد
حذر عبر من صمت نظام العدالة والقانون على ما يخدش الوحدة الوطنية في المجتمع الأردني.
والناشط الحقوقي عاصم العمري، كان قد حذر أيضاً عدة مرات مما يسميه بالاستعمال المتعسف لتطبيقات قانون الجرائم
الإلكترونية في الاتجاه المضاد للحريات العامة ولحريات التعبير.
لكن الخطوة التي أعلنتها مديريات الأمن العام في اتجاه الحسابات التحريضية وبإيعاز وتوجيه من وزارة الداخلية تحسب وطنياً لصالح المنطق المنصف والعادل في تطبيق القانون، لا بل الجديد في المشهد أن هذه الخطوة تحرم منتقدي انخفاض سقف حريات التعبير من مادة كانت قد استعملت مراراً للحديث عن قانون الجرائم الإلكترونية باعتباره مخصصاً لملاحقة الناقدين وليس لحماية المجتمع من العابثين بوحدته وباستقراره، وبالسلم الأهلي، كما جاء في الأسباب الموجبة لذلك القانون الذي سجل
ولا يزال مساحات واسعة من الاعتراض والنقاش.
الأهم في التحليل النهائي أن إظهار القدرة الفنية والسياسية على ملاحقة مروجي الكراهية يخفف من تلك المساحات والتشنجات ويعزز الانطباع بأن الدولة، وإن كانت تعتقل أو توقف أو تقاضي بعض الأشخاص بين الحين والآخر على خلفية تعليقات إلكترونية سياسية، فهي ليست بصدد التساهل مع محترفي التشكيك في المكونات الاجتماعية الأردنية.
لا بد، في السياق، من ملاحظة أن الإجراء المعلن بتوقيف ومقاضاة 4 أشخاص أعقب تعهداً علنياً من وزير الداخلية النشط مازن الفراية، بأن تطال يد القانون من يسيء إلى الانسجام الاجتماعي الأردني المستقر.
ثم أعقب زيارة تفقدية لوحدة الجرائم الإلكترونية تخللتها توجيهات مباشرة وعلنية من الوزير، بعنوان يرفض التساهل أو التسامح بعد الآن مع الإساءات الإلكترونية المبرمجة على الشبكة التي وصفها الوزير الفراية بأنها «تفت في عضد الدولة».
وهي صيغة قانونية منصوص عليها في قانون العقوبات العام، واستعمالها سياسياً وإعلامياً هنا مؤشر على أن الدولة وليس الوزارة فقط، تصنف مسبقاً بعض الإساءات الإلكترونية باعتبارها تمس بهيبة الدولة وليس المجتمع فقط.
ذلك مستجد، ويعبر عن إشارة متقدمة في تسليط الضوء على فهم الدولة لحزمة الإساءات الإلكترونية.
والهدف هنا قد يكون لفت أنظار المسيئين المقصودين طبعاً إلى أن المسألة لا تخص الإساءة لكرامة المواطنين والمجتمع فقط، بل تدخل في سياق دفاع الدولة عن هيبتها أيضاً، الأمر الذي يعبر عن رسالة سياسية نادراً ما وجهتها وزارة الداخلية بمثل هذا
الوضوح، فيما التزمت واستجابت وتصرفت مديرية الأمن العام على أساس ذلك الوضوح وبسرعة.
المستجدات في هذا الملف تؤشر أيضاً على أن الرسائل السيادية التي وجهها علناً الوزير الفراية بخصوص واجب الدولة في حماية مواطنيها ومن يحمل جنسيتها وأرقامها الوطنية، لم تكن لفظية فقط. والوزير ذاته، أكد مرتين بحضور « أن تطبيق القانون بمسطرة وطنية واحدة لا يقبل الاجتهاد والفرضيات، معتبراً أن الوحدة الوطنية محمية حتى من تصرفات بعض الأفراد.
في الجانب الفني والتقني الأهم، يمكن ملاحظة الدور الفاعل الذي يحظى الآن بغطاء سياسي سيادي للوحدة المعنية أمنياً بالتصدي للجريمة الإلكترونية، حيث تزداد أهمية هذه الوحدة وكفاءة واجباتها بصيغة تساهم في بث الطمأنينة العامة في نفوس الأردنيين، ما يعكس انطباعاً متجدداً بأن مديرية الأمن العام في ظل قيادة اللواء عبيد الله المعايطة ومساعديه تقوم بواجباتها في إطار القانون وبعيداً عن الاعتبارات السياسية والإعلامية.
وتتضح تلك الرسالة تقنياً من خلال استدعاء أشخاص وصفوا بأنهم يديرون الحسابات التي تنتج مخالفات للقانون وتروج للكراهية.
والتوقيف والإجراء هنا استهدفا إدارة الحسابات ذاتها، وليس المعلقين على تلك الحسابات، على الأقل في هذه المرحلة. وهو الأمر الذي يعكس تطوراً تقنياً مبرمجاً وملموساً في قدرات طاقم وحدة الجرائم الإلكترونية، فيما يبث رسائل موازية ترفع لافتة «فيتو» باسم الأمن في وجه تلك الحسابات المخالفة وإداراتها.
وهي خطوة لم تتخذ سابقاً، واتخذت الآن لردع بقية المشاركين في حفلة النميمة الإلكترونية الوطنية عبر إظهار توفر القدرة المهنية والفنية على المتابعة والرصد والإمساك بالمسيئين.
وتلك عملية تقنية مهمة جداً سياسياً لأنها تزرع لافتة «ممنوع العبور» في وجه من يدير حسابات، وليس من يشارك فيها فقط، ضمن التعريف الرسمي والبيروقراطي العلني للمخالفات المقصودة أو التي ستطارد بعد الآن. وهي بعنوان ترويج ثقافة الكراهية وإضعاف هيبة الدولة والمساس بالمكونات الاجتماعية والإساءة لكرامات الأفراد والمجتمع، وخدش الوحدة الوطنية، ومحاولة زعزعة السلم الاجتماعي، خلافاً لإدارة نقاشات على الشبكة تحاول التشكيك بوطنية ومواطنة من يحملون الأرقام الوطنية من الأردنيين.