لطالما كان الأردن وجهة سياحية عالمية تستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم، بفضل إرثه الحضاري العريق وتنوعه الطبيعي. فمن البترا، إحدى عجائب الدنيا السبع، إلى وادي رم الذي شُبِّهَ بسطح المريخ، ومن البحر الميت ذو الخصائص العلاجية الفريدة إلى الغابات الكثيفة في عجلون، يزخر هذا البلد بثروة من المعالم التي قد لا يدركها كثير من الأردنيين أنفسهم.
ورغم هذه الكنوز السياحية التي تجعل من الأردن وجهة لا مثيل لها، نجد أن العديد من المواطنين يفضلون قضاء عطلاتهم في وجهات خارجية مثل شرم الشيخ وتركيا. فكيف يمكننا تعزيز ثقافة السياحة الداخلية؟ وما الذي ينقص الأردن ليجعل أبناءه يختارونه كوجهتهم الأولى بدلاً من البحث عن تجارب سياحية في الخارج؟
ان التكلفة الباهظة تُعدّ من أهم الأسباب التي تدفع الأردنيين إلى اختيار السفر إلى الخارج بدلًا من استكشاف بلدهم، حيث تتفوق بعض الوجهات السياحية الخارجية بعروضها المغرية التي تشمل تذاكر الطيران، الإقامة، الوجبات، والأنشطة الترفيهية بأسعار أقل، من تكلفة عطلة في البحر الميت أو العقبة.
هذا التفاوت في الأسعار يجعل الأردني ينظر إلى السياحة الداخلية على أنها خيار غير اقتصادي مقارنة بالبدائل الخارجية.
إلى جانب ذلك، تبقى جودة الخدمات والتفاوت الكبير بين المنشآت الفندقية والمرافق السياحية في الأردن من العوامل المؤثرة في قرارات السفر ، ففي الوقت الذي تقدم فيه الوجهات الخارجية معايير ضيافة موحدة وعروضًا ترفيهية متكاملة، قد يجد السائح المحلي نفسه أمام تجربة غير متسقة من حيث الجودة والخدمة داخل بلده ، يضاف إلى ذلك غياب مفهوم "العروض الشاملة” (All-Inclusive) في العديد من المنتجعات والفنادق المحلية، الأمر الذي يجعل تجربة الإقامة أقل تنافسية مقارنة بالخارج.
ويلعب التسويق السياحي الضعيف أيضًا دورًا رئيسيًا في عدم إقبال الأردنيين على استكشاف بلدهم ، فالوجهات الخارجية تعتمد على حملات ترويجية قوية ومؤثرين سياحيين لجذب السياح، في حين أن الترويج الداخلي لا يزال يعتمد على الأساليب التقليدية التي قد لا تصل بالشكل المطلوب إلى مختلف شرائح المجتمع، خاصة الشباب الباحثين عن تجارب جديدة.
كما أن البنية التحتية والمواصلات لا تزال تحديًا آخر أمام السياحة الداخلية، إذ إن الوصول إلى بعض المناطق السياحية قد يكون مكلفًا أو غير مريح بسبب قلة وسائل النقل العام المناسبة. ففي حين يستطيع السائح في الخارج التنقل بسهولة بين المدن والمواقع السياحية بوسائل مريحة وبأسعار معقولة، قد يضطر الأردني لاستخدام وسائل نقل خاصة أو دفع تكاليف مرتفعة للوصول إلى وجهته السياحية داخل الاردن .
ان التسويق السياحي بحاجة إلى ثورة حقيقية تواكب العصر الرقمي، من خلال الاستفادة من الإعلام الرقمي والمؤثرين السياحيين للترويج للوجهات المحلية بأسلوب عصري وجذاب. كما أن إنشاء منصات إلكترونية تفاعلية تقدم معلومات شاملة عن المواقع السياحية، مدعومة بالصور والفيديوهات وآراء الزوار، قد يساعد في تسليط الضوء على الأماكن التي لا تزال غير معروفة للكثيرين.
تنويع الأنشطة والتجارب السياحية قد يكون الحل الأمثل لجذب فئات جديدة من السياح المحليين، حيث يمكن تطوير السياحة البيئية والمغامرات في المحميات الطبيعية ومسارات المشي الجبلية، إلى جانب تنظيم مهرجانات ثقافية وتراثية تُعيد إحياء الهوية الأردنية في المدن الأثرية. كما أن إنشاء وجهات ترفيهية متكاملة تشمل الحدائق المائية، مدن الألعاب، والمراكز الثقافية والفنية يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في مفهوم السياحة الداخلية.
السياحة الداخلية مسؤولية مشتركة ، وإن تعزيز السياحة الداخلية في الأردن ليس مسؤولية جهة واحدة، بل هو جهد جماعي يتطلب تعاونًا وثيقًا بين الحكومة، القطاع الخاص، والمجتمع المحلي. فكلما زادت جاذبية الوجهات المحلية وتحسنت جودة الخدمات والأسعار، كلما أصبح الأردني أكثر إقبالًا على استكشاف كنوز بلده، بدلاً من البحث عن تجارب سياحية في الخارج.
الأردن ليس مجرد محطة للزوار الأجانب، بل هو وطن يزخر بمعالم طبيعية وثقافية تستحق أن تكون الخيار الأول لأبنائه. فهل نكون نحن أول من يكتشفه، قبل أن يبحث العالم عنه.. ومتى سنكتشف اننا لم نجيب حتى الان على العبارة التاريخية .. اعرف وطنك !!