النسخة الكاملة

ياسمين لاري وجائزة المهندسين الإسرائيلية

الإثنين-2025-03-17 12:18 am
جفرا نيوز -
المحامية هبة أبو ورده

تشهد الساحة السياسية الدولية صراعًا متعدد الأبعاد ينبع من جذور تاريخية عميقة وتراث ثقافي وسياسي متباين؛ فمنذ ظهور دولة إسرائيل عام 1948، اتخذت باكستان موقفًا ثابتًا مؤيدًا للقضية الفلسطينية، معتبرة أن قيام الدولة على حساب حقوق الشعوب المسلومة لا يُقبل، وقد صقلت روح التضامن مع القضية العربية والإسلامية نظرة باكستان للعلاقات الخارجية، فرفضت إقامة علاقات دبلوماسية مع كيان لا يُراعي حقوق الإنسان ولا يحترم القانون الدولي، واضعةً نصب عينيها أن أي خطوة نحو التطبيع تُفقد القضية الفلسطينية أهميتها وتترك بصمة سلبية على السياسة الإقليمية.

واجهت باكستان تحديات عدة؛ من تجاوز العقبات التاريخية والتوترات الداخلية إلى الضغوط الخارجية من التحالفات الاستراتيجية، إلا أن القضية الفلسطينية ظلت حجر الزاوية في خطابها؛ فقد حملت باكستان في تراثها روحًا لا تلين في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وتجلّت هذه الروح في مواقف رسمية وعسكرية وشعبية، فقد شارك باكستانيون في قتال القوات العربية في عدة حروب، وكان للطيران دورٌ بارز؛ إذ انضم الطيار الباكستاني سيف الأعظم إلى القوات الجوية الأردنية خلال حرب 1967 وأسقط أربع طائرات إسرائيلية في مواجهة مباشرة، مما أكسبه تقدير عدة دول عربية وأوسمة شرفية وأثبت أن دعم القضية الفلسطينية يتجاوز حدود الكلمات ليصل إلى ميادين القتال.

أما على الصعيد الشعبي، تبرز سياسات باكستان برفض قاطع لأي تواصل مع إسرائيل؛ إذ يُمنع حامل جواز السفر الباكستاني من عبور حدود الدولة، في خطوة تُعبّر عن رفضٍ مطلق لوجود كيان يُعتبر أنشطته انتهاكًا لحقوق الشعب الفلسطيني، كما برز الدعم السري للفصائل المقاومة من خلال التدريب والتمويل والتوريد العسكري، وتزامنت مع حملات إعلامية شعبية ومظاهرات حاشدة في المدن، ناهضةً بحقوق الأبرياء ومُظهرةً أن العدالة لا تُباع، وفي كل احتجاج وكل كلمة تُرددها وسائل الإعلام، كان هناك بصيص من الأمل يدعو إلى تضامن عالمي مع القضية الفلسطينية وإيقاظ الضمير الإنساني الذي لا يقبل الصمت أمام الجرائم والاعتداءات.

وفي ميدان الدفاع عن كرامة الفلسطينيين، تشكلت سلسلة من المبادرات الفردية والمواقف البطولية التي امتدت من ميادين القتال إلى الشوارع، ومن ساحات الفن إلى حلقات الوعظ. فقد أصبحت شوارع مدن مثل إسلام أباد وكراتشي ولاهور مسرحًا لمظاهرات حاشدة، حيث رفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية ورددوا شعارات رافضة لأي تطبيع مع الاحتلال، وفي مناسبات اُحتُرِق العلم الإسرائيلي كرمزٍ للرفض المطلق، بينما نُظمت حملات مقاطعة تستهدف الشركات الداعمة للسياسات الانتهاكية.

ولم تقتصر الجهود على الاحتجاجات، بل شملت حملات إلكترونية ناجحة أطلقتها فرق من الصحفيين والمؤثرين، أسهمت في رفع الوعي الجماهيري وتوجيه الرسائل المناهضة للانتهاكات، وعلى صعيد الإنسانية، نظمت جمعيات باكستانية أعمالًا خيرية لدعم الفلسطينيين خلال فترات الحصار والهجمات، حيث وُجهت مساعدات إنسانية إلى غزة وتبرع رجال الأعمال بمبالغ ضخمة لتخفيف معاناة الشعب المحتل. كما انخرط العلماء والدعاة، مثل طارق جميل، في خطب ومحاضرات أكدت على ضرورة نصرة فلسطين وإبقاء القضية حاضرة في الوجدان الإسلامي.

ولم يغفل المجال الرياضي عن هذه المسيرة؛ إذ اتخذ عدد من الرياضيين موقفًا رافضًا للتطبيع، فرفض لاعبو الكاراتيه والشطرنج المشاركة في مباريات تشمل خصومًا إسرائيليين حفاظًا على مبادئهم الوطنية، وفي عالم الفن والإبداع، ظهرت رسائل التضامن مع معاناة الفلسطينيين في أعمال الأفلام والأغاني واللوحات الفنية التي نقلت صورة حية للظلم والمقاومة.

وفي قلب هذه المعركة الفكرية، أشرق نجم الرفض المتميز في شخصية المهندسة ياسمين لاري، أول مهندسة معمارية في باكستان والمعروفة بابتكاراتها المستدامة للمجتمعات الفقيرة؛ فبرفضها للجائزة الهندسية الإسرائيلية، أعربت ياسمين لاري عن موقفها الرافض لبيع القضية الفلسطينية بالجوائز، مؤمنة بأن الفن والعمارة يجب أن يكونا وسيلتين للدفاع عن الحق والعدل، لا أدوات لتجميل صورة سياسات معادية للإنسانية، وجاء رفضها بيانًا إنسانيًا راسخًا ينبع من قلب لا يقبل الصمت أمام معاناة الأبرياء، خاصة في ظل الأحداث المأساوية التي تشهدها غزة، وساهمت مسيرتها الطويلة، التي امتدت لعقود، في بناء جسور تربط بين الماضي العريق والحاضر المشرق من خلال تأسيس مؤسسة التراث الثقافي.

ختامًا، يظهر أن جائزة منظمة المهندسين الإسرائيلية ليست سوى أداة سياسية تُستخدم لتزيين صورة دولة تسعى لإخفاء الانتهاكات واستغلال الإنجازات العلمية للترويج لمصالحها الدبلوماسية؛ ففي حين يُزعم أنها تُكرم أبرز العلماء والمهندسين، يكشف الواقع تناقضًا بين ما يُعلن من تقدير للابتكار وبين المعاناة الإنسانية التي يعيشها الأبرياء، خاصةً في قضايا مثل القضية الفلسطينية، وموقف ياسمين لاري يرسخ أن الشرف والكرامة لا يُقاسان بالجوائز الفارغة، بل تُترسخ بالأفعال الثابتة والالتزام الراسخ بالمبادئ الإنسانية، مما يُلهِم الشعوب في النضال على أسس العدالة والحرية التي لا تُفنى مهما كثرت التحديات.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير