نحن نعيش في عالم مليء بالتحديات والأزمات المتسارعة، هذه التحديات فرضت علينا تعزيز لقاح هام اسميه لقاح "المناعة الوطنية” …
مناعة وطنية تتجاوز حدود القوة العسكرية أو الاقتصادية، بل هي تحصين داخلي يتجسد في تماسك المجتمع، والالتزام بالثوابت الوطنية، وتعزيز الشفافية والعدالة بين أفراد الشعب.
المناعة الوطنية برأيي ليست مجرد شعار نرفعه في الأزمات، بل هي أسلوب حياة يتطلب الوعي الجماعي والإرادة الوطنية ويحتاج للتعزيز باستمرار .
لا يمكن لأمة أن تبقى قوية إذا كانت روابطها الداخلية ضعيفة. قوة الأمة تبدأ من قدرة شعبها على التغلب على الاختلافات و الخلافات الشخصية والسياسية والعمل معًا من أجل مصلحة الوطن. ومن دون هذه المناعة الداخلية، تفقد الأمة قدرتها على الوقوف في وجه أي تهديد داخلي أو خارجي.
ثوابت الأمة هي البوصلة التي توجهها نحو التقدم والازدهار، وتشمل الحفاظ على الهوية، احترام السيادة، وتعزيز العدالة والمساواة. عند غياب هذه الثوابت، يبدأ التفكك الداخلي الذي يضعف الأمة ويجعلها عرضة للتهديدات الخارجية ولنا في الاتحاد السوفيتي خير مثال.. على الرغم من قوته العسكرية والسياسية، سقط في عام 1991 نتيجة لانعدام المناعة الوطنية داخله. كانت الانقسامات العرقية والسياسية أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انهيار هذا الكيان الضخم. لم يكن العدو الخارجي هو السبب في تفكك الاتحاد السوفيتي، بل كانت الخلافات الداخلية وفقدان الثقة بين شعوبه وحكومته. عندما ضعفت الروابط بين الجمهوريات السوفيتية وغيبت العدالة الاجتماعية، انهار الاتحاد بأسره.
لبنان هو مثال آخر على فشل المناعة الوطنية. كانت البلاد تعرف بـ”سويسرا الشرق”، لكنها انزلقت إلى حرب أهلية بسبب الانقسامات الطائفية والسياسية، ما أدى إلى دمار اقتصادي واجتماعي. لم يكن هناك عدو خارجي قوي أسقط لبنان، بل كانت الخلافات الداخلية هي السبب الرئيسي لهذا التدمير، مما أضعف الأمة داخليًا وفتح الطريق للتهديدات الخارجية.
الثقة بين المواطن والدولة لا تأتي إلا من خلال الشفافية. إن القدرة على مواجهة الأزمات تتطلب وضوحًا في السياسات، ومحاسبة عادلة، ومشاركة الجميع في اتخاذ القرارات. بدون شفافية، يفقد المواطنون الثقة في مؤسسات الدولة، ما يؤدي إلى تفكك الوحدة الوطنية. الشفافية هي أساس استقرار الأوطان، وضمان العدالة في توزيع الفرص والموارد.
العدالة ليست فقط قانونًا يُنفذ، بل هي مبدأ يجب أن يسود في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية. عندما يشعر المواطنون بأنهم يعاملون بإنصاف، يزداد تعلقهم بوطنهم وتزداد قدرتهم على العمل من أجل مصلحته. في غياب العدالة، تصبح المجتمعات أكثر عرضة للتفكك الداخلي والصراعات.
تحصين الأوطان يبدأ من الداخل عبر تعزيز المناعة الوطنية المبنية على العدالة، الشفافية، والوحدة. الدول التي تفتقر إلى هذه المناعة تسقط سريعًا، بينما تظل الأوطان المتماسكة صامدة في وجه التحديات.