جفرا نيوز -
د. عادل محمد الوهادنة
لطالما كان التدريب الطبي ركيزة أساسية في بناء كفاءات طبية قادرة على تحمل مسؤولية الرعاية الصحية، لكن القرارات الأخيرة الصادرة عن المجلس الطبي الأردني، والتي تشمل زيادة ساعات العمل والمناوبات، وإلزامية البصمة للتحقق من الحضور والانصراف، أثارت موجة من الجدل والاحتجاج. فهل هذه الإجراءات ضرورة لتنظيم التدريب، أم أنها تفرض أعباءً إضافية على الأطباء المقيمين دون تحقيق نتائج ملموسة؟
التدريب الطبي في الأردن: الواقع والتحديات
يخضع الأطباء المقيمون في الأردن لنظام تدريبي يمتد لعدة سنوات، يتضمن العمل في المستشفيات لساعات طويلة، والمشاركة في المناوبات الليلية، والتفاعل مع الحالات المرضية المتنوعة. وعلى الرغم من أن هذا النظام يهدف إلى تعزيز الخبرة السريرية، إلا أنه غالبًا ما يكون مرهقًا بسبب كثافة العمل وقلة الموارد.
تأتي التعديلات الأخيرة تحت عنوان "تنظيم التدريب”، لكنها تواجه تساؤلات مشروعة حول مدى توازنها بين تحسين جودة التعليم الطبي والحفاظ على صحة الأطباء ورفاههم النفسي والجسدي.
مقارنة مع برامج تدريبية مثالية
عند النظر إلى الدول التي تتبع أفضل الممارسات في تدريب الأطباء، نجد أن العديد منها يعتمد على أنظمة أكثر توازنًا، تحقق الفائدة التعليمية دون المساس بصحة الأطباء.
1. الولايات المتحدة الأمريكية:
• يلتزم الأطباء بساعات عمل لا تتجاوز 80 ساعة أسبوعيًا، مع إلزامية فترات راحة بين المناوبات.
• توفر البرامج دعمًا نفسيًا وتدريبيًا متكاملًا، مع توجيه مباشر من الاستشاريين.
• يتم تقييم الأداء بناءً على الكفاءة وليس فقط عدد الساعات.
2. المملكة المتحدة (NHS):
• يحدد نظام العمل بحيث لا تتجاوز المناوبات 48 ساعة أسبوعيًا، مع وجود تعويض مالي وساعات راحة كافية.
• يركز التدريب على المهارات السريرية والتعلم المستمر، مع حماية قانونية للطبيب ضد الاستغلال المهني.
3. ألمانيا:
• تعتمد البرامج على دمج الأطباء في الفرق الطبية منذ المراحل الأولى، مع جدول مناوبات متوازن.
• يتم دعم التدريب بمناهج تعليمية واضحة، مع منح الأطباء فترات راحة ملزمة بعد المناوبات الطويلة.
إجازات الحمل أثناء التدريب الطبي: مقارنة دولية
من بين القضايا المهمة في التدريب الطبي، تأتي مسألة إجازات الحمل للأطباء المقيمات، حيث تختلف السياسات بشكل كبير بين الدول.
1. الولايات المتحدة الأمريكية (ACGME – Accreditation Council for Graduate Medical Education)
• تمنح الطبيبات المقيمات 6 أسابيع إلى 12 أسبوعًا من إجازة الأمومة، اعتمادًا على سياسات المستشفى وبرنامج التدريب.
• لا تُحتسب هذه الإجازة عادةً ضمن فترة التدريب، لكن بعض البرامج تتيح تعويضها من خلال فترات تدريب إضافية.
• تضمن القوانين الفيدرالية (FMLA – Family and Medical Leave Act) الحق في إجازة غير مدفوعة لمدة تصل إلى 12 أسبوعًا، مع الحفاظ على الوظيفة.
2. المملكة المتحدة (NHS – National Health Service)
• تمنح الطبيبات الحوامل 52 أسبوعًا (سنة كاملة) من إجازة الأمومة، منها 39 أسبوعًا مدفوعة الأجر (بنسب مختلفة).
• الحد الأدنى الإجباري لإجازة الأمومة هو 14 أسبوعًا.
• يمكن للأطباء استئناف التدريب بعد الإجازة، مع ترتيبات مرنة لتعويض الفترات التدريبية الناقصة.
3. ألمانيا
• يمنح القانون الألماني إجازة أمومة إلزامية 6 أسابيع قبل الولادة و8 أسابيع بعد الولادة، ولا يُسمح للطبيبة بالعمل خلال هذه الفترة.
• في حالات الولادة المبكرة أو المضاعفات، تمتد الإجازة إلى 12 أسبوعًا بعد الولادة.
• يمكن تمديد الإجازة حتى 3 سنوات (Elternzeit – إجازة الوالدين)، مع الحفاظ على الحق في العودة إلى الوظيفة.
4. فرنسا
• تمنح الطبيبات الحوامل إجازة 16 أسبوعًا كحد أدنى (6 أسابيع قبل الولادة و10 أسابيع بعدها).
• في حالات الحمل المتعدد، ترتفع الإجازة إلى 34 أسبوعًا.
• يمكن للطبيبات المقيمات طلب تمديد الإجازة أو العمل بدوام جزئي عند العودة.
5. كندا
• تتراوح إجازة الأمومة بين 17 أسبوعًا إلى 52 أسبوعًا، وفقًا للمقاطعة وسياسات المستشفى.
• تمنح الحكومة تعويضًا ماليًا خلال الإجازة، ويمكن للطبيبات استئناف التدريب بعد العودة دون فقدان مزايا البرنامج.
إجازة الحمل للأطباء المقيمات في الأردن: الحاجة إلى التوازن
في الأردن، لا تزال سياسات إجازة الأمومة للأطباء المقيمين غير موحدة بشكل واضح بين المستشفيات وبرامج التدريب. ومع التعديلات الأخيرة، من الضروري أن يتم:
1. تحديد مدة إجازة موحدة تتماشى مع المعايير الدولية، بحيث لا تقل عن 12 أسبوعًا على الأقل.
2. توضيح آليات التعويض، مثل السماح بتمديد فترة التدريب أو تقديم خيارات دوام مرن بعد العودة.
3. ضمان عدم التأثير على استمرارية التدريب، بحيث تتم مراعاة وضع الطبيبات دون أن يؤثر ذلك على تقدمهن المهني.
الإيجابيات والسلبيات (Cons & Pros)
الإيجابيات (Pros)
1. تنظيم أفضل للدوام والتدريب: قد تسهم البصمة في ضمان التزام الجميع بالبرنامج التدريبي، مما يعزز العدالة في توزيع العمل.
2. رفع مستوى الانضباط والالتزام: وجود نظام واضح للمناوبات يعزز الجدية في التدريب.
3. تحسين جودة التدريب: قد يؤدي تحديد ساعات العمل والتدريب إلى تعزيز الفرص التعليمية وتقليل العشوائية.
السلبيات (Cons)
1. الضغط النفسي والجسدي: زيادة ساعات العمل دون وجود توازن قد تؤثر سلبًا على صحة الأطباء وأدائهم.
2. تأثير سلبي على جودة الرعاية: الإرهاق قد يؤدي إلى أخطاء طبية، مما ينعكس سلبًا على المرضى.
3. غياب الحوافز المقابلة: مقارنة بالدول الأخرى، قد لا تكون الرواتب والمزايا في الأردن كافية لتعويض الأطباء عن الضغط الإضافي.
نحو حل متوازن
من الواضح أن تنظيم التدريب الطبي ضرورة لا يمكن تجاهلها، لكن تطبيقه يجب أن يكون وفق معايير عالمية تأخذ بعين الاعتبار صحة الأطباء واحتياجاتهم المهنية. لذا، فإن أي تعديل يجب أن يكون مبنيًا على:
1. مراعاة المعايير الدولية: تبني نموذج تدريبي متوازن يضمن التعلم دون استنزاف الأطباء.
2. توفير دعم نفسي ومهني: إدخال برامج لدعم الأطباء المقيمين وتحفيزهم على الأداء الأكاديمي والعملي.
3. مرونة في ساعات العمل: إعادة تقييم نظام المناوبات ليكون أكثر إنصافًا وملاءمة لاحتياجات التدريب.
4. تحفيز مالي ومعنوي: تقديم حوافز مالية وساعات راحة لتعويض الجهود المبذولة.
خاتمة
إصلاح نظام التدريب الطبي في الأردن خطوة ضرورية، لكن نجاحها يعتمد على إيجاد توازن دقيق بين تحقيق الانضباط وتعزيز بيئة تدريبية صحية ومستدامة. فالهدف ليس فقط ضمان الالتزام بالدوام، بل بناء جيل من الأطباء الأكفاء الذين يستطيعون تقديم رعاية طبية متقدمة دون أن يكون ذلك على حساب صحتهم ورفاههم.