نظام تعيين "امين عام وزارة الثقافة" هشاشة تقوض شجرة السنديان الوارفة التي تجسد رؤية ملوكية هاشمية سامية.
بقلم :الكاتب ياسر العبادي.
المثقف الحقيقى ليس هو الإنسان الذي نال شهادات أكاديمية وحصل على أعلى الدرجات العلمية والمناصب التنفيذية وفق قوانين وظائف الدولة المعتادة، وعاش فى برجه العاجى منفصلًا عن مشكلات الواقع والمجتمع حوله، بل هو فى معناه الدقيق الأكثر شمولًا الإنسان المُتعلم نعم لديه متطلبات تتناسب وإشغاله لها كمهنة يقتات منها لكن المطلوب لإدارة الشأن الثقافي والفني من الشخص يعد الثاني بعد الوزير ومعاونه مثقف شمولي ومفكرذو رؤية نعم مؤهل أكاديما يفهم مهارات الادارة والاشراف العام رغم وجود كوادر إدارية حوله ومختصين ماليين ورقابة داخلية يكفي ان يفهم طبيعة هذه الإجراءات الروتينية لكن الأهم في مهمة سامية تعنى ببناء الدولة في جانبها الثقافي وفق رؤية ملكية سامية واضحة، أطلق جلالته سلسلة من الخطط والبرامج، لبناء مجتمع مدني عصري تسوده روح العدالة، والمساواة، وتكافؤ الفرص، واحترام حقوق الإنسان، سِمَتُه المشاركة والإسهام في البناء، وغاياته أن يكون نموذجاً متقدماً وقيادياً في المنطقة، فالمطلوب ذاك الذى يشتبك مع مشكلات وقضايا مجتمعه وعصره بفهم عميق وقدرة على النقد والتحليل، وإرادة السعى لجعل ما ينبغى أن يكون هو الكائن فى الحاضر والمستقبل، بعد التمييز بواقعية وفهم بين «ما هو كائن بالفعل فى الحاضر» وبين «ما ينبغى أن يكون فى المستقبل» وبين «ما يُمكن أن يتحقق على أرض الواقع مما ينبغى أن يكون» فى ضوء ظروف الواقع المحلى والإقليمى والدولى وخصوصية المرحلة التاريخية التى تمر بها بلاده، وفى ضوء الإمكانات المتاحة.
فى عهد شارل ديجول الذى حكم فرنسا بين عامى 1958و 1969 عين "ديجول" الكاتب "مالرو" ملحقاً للإعلام، ومن ثم زير دولة لشؤون الثقافة، أندريه مالرو هو فيلسوف وروائي ومفكر وناقد أدبي وناشط سياسى فرنسي صاحب «قيود يجب أن تتكسر» وأولى رواياته «الطريق الملكي»، ترك مالرو الشاب التعليم الرسمي مبكرًا، لكنه تتبع فضوله من خلال بائعي الكتب والمتاحف في باريس، واستكشف مكتباته الغنية أيضًا.
ظهرت أول أعمال مالرو المنشورة، وهو مقال بعنوان «أصول الشعر التكعيبي»، في مجلة الحدث في عام 1920، وأتبع ذلك في عام 1921 ثلاث حكايات شبه سريالية، إحداهن «أقمار ورقية»، رسمها فرناند ليجيه، تردد مالرو أيضًا على الوسط الفني والأدبي الباريسي في تلك الفترة، حيث قابل شخصيات مثل: ديمتريوس غالانيس وماكس جاكوب وفرنسوا مورياك وجاي دي بورتاليز وأندريه سلمون وجان كوكتو ورايموند راديجيه وفلورنت فيلس وباسكال بيا ومارسيل أرلند وإدموند جالو وبيير ماك أورلان، شهرته الحقيقية بدأت في 1933م حين نشر رواية «الشرط الإنساني»، وبذلك يكون مالرو قد جمع بين الثقافة والاعلام، فالإعلامي الثقافي هو الاقدر على معرفة خبايا الافكار الشمولية التي عاشها بالفعل في هذا الوسط الثقافي والفني ونهل من مختلف المشارب والافكار والايديولوجيات المتنوعة لصانعي المشهد الثقافي من النخب وكون خطط ناجحة لتطوير ثقافة دولة والحفاظ على ارثها وتاريخها وتعزيز القيم مؤهل في ظل العالم الرقمي وتحولاته التي باتت حتمية.
إن نظام الحكم الاردني الهاشمي الرشيد الذى يملك مشروعًا لنهضة وتقدم بلاده لابد من أن يُقيم فضاءً للتواصل والحوار والتفاعل بين مجال عمل المثقف الوطنى وبين مجال عمل السياسى ورجل الدولة الوطنى، وردم الهوة بينهما لأنهما معًا ركيزة تقدم المجتمع والدولة؛ لأن المثقف (الوطنى) يملك الفكر والخيال والرؤية والوعى التاريخى النقدى وحلم التغيير والتجديد ،أن مصير الأوطان يصبح أكثر وضوحًا وإيجابية عندما تُكمل رؤية رجل الفكر والخيال عمل رجل الفعل والسياسة.
يُعيب ديغول على الفرنسيين أنهم صاروا شعبا بلا همة أو طموح وطنى، وأنهم لا يُريدون صُنع أى شىء من أجل فرنسا كما هو الحال في زمننا المعاصر من فئات مجتمعات العالم وليس الاردن فحسب تتطلب في المرحلة الراهنة قراءة سليمة للنهوض ببرامج غير تلك التقليدية التي اتبعت لتغيير الصورة النمطية لدى هذه الفئات والتأثير فيها بطريقة عميقة وهناك الكثير لفعله وأولها إعادة الثقة بطريقة تعيين من يمكن أن يبث روح الأمل فيهم ومن ثم تصبح عملية تنفيذ البرامج والفعاليات والنشاطات اكثر حضورا وتحقق الهدف منها ، ولهذا قال ديغول بحسم لأندريه مالرو: «يجب أن نعرف إذا كان الفرنسيون يريدون أن يبعثوا فرنسا أو أن يناموا، أنا لن أبنيها من دونهم، لكننا سوف نُجدد المؤسسات، وسنُعيد إلى فرنسا نبلها ومكانتها».وهذا ما تحقق بالفعل بعد أن نجح شارل ديجول مدعومًا بدور ومعاونة ملحقه الإعلامى بمجلس الوزراء ووزير ثقافته لاحقًا أندريه مالرو فى تحفيز الفرنسيين للإصلاح والتغيير كما نجح طوال سنوات حكمه فى حماية وتعزيز هوية فرنسا الثقافية وكتب أندريه مالرو- شجرة السنديان الفرنسية الوارفة التى سوف تظل فى كل زمان ومكان سنديانًا شاهدًا على هشاشة سواها من أعشابٍ لا تُماثل شموخها أبدًا.
ونضع أمام رئيس الوزراء جعفر حسان شروط تعيين امين عام وزارة الثقافة بخبرة فنية في مجال الوظيفة 15 سنة وخبرة إشرافية وقيادية 7 سنوات، فهل هذا هو الارتقاء بالاداء المؤسسي للوزارة بما يحقق أهداف وخطط والاستراتيجيات الوطنية لها والمشاركة في رسم سياسات العمل الثقافي لضمان تحقيق تنمية ثقافية وطنية شاملة، وتعزيز الهوية الاردنية، وتمكين القطاع الثقافي الاردني للقيام بمهامه بكفاءة عالية إن تم قبول من يملكون هذه الخبرات ممن عملوا في سلك الدولة سابقا على سبيل المثال أم أن الامر الحاسم هو من نعول عليه في بناء عقل الدولة اي بالثقافة.