النسخة الكاملة

الأردنيون لا يثقون ببعضهم .. ورياح الاستهلاك جففت العلاقات ..وانتشار "حكلي لحكلك...!

الإثنين-2025-01-20 11:13 am
جفرا نيوز -
عصام جلال  المبيضين 

أظهر الاستطلاع  الأخير، الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية، أن 79% من الأردنيين والمقيمين بالأردن ، لا يثقون ببعضهم البعض ، وفي مطالعة  في أعماق الخوارزميات ،ان الثقة المجتمعية تزداد ،وفي مقارنة وبالأرقام لنفس  مركز الدراسات ، نجد إنها قفزت من ( 71% )، قبل سنوات إلى ( 79 % ) ،وفق آخر تقرير، والذي صدر  قبل بضعة أيام .  
 

وتظهر الأرقام القديمة  للاستطلاع ، ان الأرقام تعني أن الأردنيين لا يثقون في  بعضهم البعض، حيث  ان ثقة الأردنيين أصبحت  محصورة في عائلاتهم، حيث أفاد 96 بالمئة بأنهم يثقون بالعائلة، وأن ثقتهم بالدرجة الثانية، تمتد إلى جيرانهم 70 بالمئة، وإلى معارفهم وأصدقائهم 69 بالمئة، وإلى أفراد العشيرة 66 بالمئة.

ولفتت نتائج الاستطلاعات  السابقة، إلى ان الغالبية العظمى من الأردنيين لا يثقون بأسعار السلع والخدمات (20 بالمئة فقط يثقون) مقارنة بـ 33 بالمئة يثقون في استطلاع التشكيل)، ولا بالتنزيلات على أسعار السلع في الأردن وهو مؤشر هام لقياس الثقة المجتمعية ..الخ

والخطورة  انه في ظل ثقافة الشك والريبة وانعدام الثقة تتراجع ثقافة الانجاز ،وروح المبادرة والاقدام  وتبادل المصالح، وابرام الصفقات والاعمال ،وتصبح أية مبادرة محل شبهة ،ويتم التعامل معها  بحذر وشك وتكون التهمة جاهزة ولطالما عد   حساب" معامل الثقة بين الناس "وفق الدراسات في أي مجتمع أحد مؤشرات القوة  .

على العموم  فان  الاخطر ان تاتي متابعة فصول مسلسل فقدان الثقة  مثل احجار الدمينو ، حيث تتارجح ارقام الثقة بالحكومات ومجلس النواب  ثم الثقة بالمؤسسات العامة  الاخرى والاحزاب وموسسات المجتمع المدني ، بمعنى أن عدم الثقة اصبح  تسونامي  يتوسع واصبح يطال جهات لم تكن موضعا لعدم الثقة. 

وفي التغلغل  في الثنايا ، وفي العمق فان فقدان  الثقة   هو انقلاب خطير بالقيم   ، وهو مؤشراً خطير  يستدعى الوقوف عنده ،وان ثقافة الشك وهوس الارتياب معناها انعدام الثقة، والتي تبدأ بأن يشك الناس بالنخب ،وتشك الأحزاب بعضها ببعض، وتشك النقابات  المهنية والعمالية بأرباب العمل ،ويشك المواطن بجاره، والأخ بأخيه والصديق بصديقه ..الخ ،و تتدرج الأمور لتصل لأن يشك الشخص بنفسه وبقدرته على فعل أي شيء في مجتمع تسيطر  على بعض مفاصلة الميكافيلية  وسياسة "حكلي لحكلك "  
 
والاخطر  وبناء  على ارقام  المركز  ان "الثقة أصبحت مفقودة  في نواحي عدة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية،  وبعض الناس لا يتبادلونها بين بعضهم البعض ،كما وصل انعدام الثقة احيانا إلى العلاقات الأسرية بين النساء والرجال" الازواج "، وحتى بين بعض  أولياء الأمور والأبناء  وقضايا الميراث  وسجلات المحاكم شواهد والحجر على بعض الاباء والامهات ، يتصاعد  وهي  كلها مؤشرات خطيرة على عدم  استقرار المجتمع، ونذير خطرٍ لبناء سياسات اندماج اجتماعي ونمو اقتصادي   

فما الذي جرى  هذه  الايام،  حيث بدات تظهر مخلفات الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة عليهم ،وعصفت موجات الشك وعدم اليقين، وانعدام الثقة من البعض  ضد البعض   و ظهرت مسلكيات فقدان الثقة على نطاق واسع وفق بيكار يتسع بمعادلة مع الزمن ،وشملت كل القطاعات، وهذا امر خطير علما  ان الثقة هي لحمة المجتمع  
 
ومن يختلط ويعيش كمراقب في مجتمع ،  يشهد تغير في الانماط المجتمعية ،وخلع المجتمع  ثوبة القديم بانماط نيوليبرالية استهلاكية ، يجد ان البعض  يتربص في الاخر  لا يثقون في  بعضهم بعض ،  وهم قد خرجوا من عباءة براءتهم.

وفتحت الشهية للاستهلاك المفرط والإنفاق المتهور مع  المغريات  ومحدودية الدخل، وأصبح الانسان  المسحوق والطبقة الوسطى تحاط في الازمات من كل جانب،   وسيطرت علاقات المصالح، فالشك يودي لانعدام الثقة وكلاهما يؤديان للإحباط واليأس وفي كل وقت وسط الضغوط التي تدفعه دفعاً نحو الإنفاق المتهور، وسط تدنّي الأجور، والغلاء، والبطالة المتفشية،  خاصة ان  التحولات الاقتصادية السريعة، وما صاحبها من تغيرات ،هزت القيم الاجتماعية الأصيلة من جذورها وعززت القيم المادية ، مما أدى لضعف  الصلات الأسرية،  وهي حالة من الاغتراب داخل المجتمع ، وتتردد مقولة " مفيش فايدة" ليس بالإمكان أفضل مما كان .

وكل هذا يعنى أن بعض أجزاء  المجتمع تجلس فوق بركان من الأمراض والأزمات الاجتماعية ، خاصة لدى بعض الشباب فيما يتعلق بالبطالة والسكن ومتطلبات المعيشة، وان  فقدان الثقة  فى صورة ارتفاع بعض الأمراض الخطرة على المواطنين ونعود إلى التساؤلات ضمن الحلقة المفرغة، عندما تنتشر ثقافة الشك ، فإنها تتغذي من ثقافة الإحباط واليأس  

 في النهاية نحن بحاجة إلى المراجعة الشاملة لمعرفة نقاط واسطر  ووضع الدراسات ، واستيعاب المتغيرات ويبقي السؤال: وكيف نعالج المجتمع من هذا الوباء الخطير مع تصاعد الارقام  وماذا تحمل الأيام القادمة بما أن الثقة تتواجد في كل مكان، ينزع الناس إلى اعتبارها أمرا مفروغا منه. ومن ثمة فإن تجذرها في مجتمعنا يجعل إقرار قيمتها وتقديرها أمرا صعبًا  

، مع ذلك، فإن من شأن  تفكيك مكونات الثقة  وتحديدها وتحليلها  الى عناصرها الاولية   المساعدة على تعميق فهم مجتمعاتنا ولأن الثقة هي اللحمة التي تجعل المجتمع متماسكا، فإن دراستها تساعدنا في تحديد الثغرات التي تعتري بناءه وتوفر سبل ترميمه شرح الروابط والشروخ الاجتماعية والسياسية في المجتمع  والأهم من ذلك، فإنها تمكن من اقتراح الخطوات فمن يجيب؟
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير