النسخة الكاملة

تتوقف الحرب، لا يُهمّ من يرفع «شارة» النصر

الأربعاء-2025-01-15 12:49 pm
جفرا نيوز -
حسين الرواشدة

‏اقتربت على ما يبدو لحظة إبرام الصفقة (الهدنة: أدق) بين حماس واسرائيل، السؤال : من هم المرشحون على «قائمة» الانتصار في هذه الحرب بعد نحو 460 يوما على انطلاقها؟ أكيد جميع الأطراف التي شاركت، بشكل مباشر أو غير مباشر، سترفع، بعد نهاية الحرب، «شارة « النصر؛ كل طرف سيحشد ما يلزم من روايات لإقناع جمهوره بذلك، والأغلب أن الجمهور سيُصدّق، وربما يُصفّق أيضا، من جهتي أقول: صمود أهل غزة كان معجزة، وخلاصهم من الحرب أهم نتيجة، وأتمنى ان يمنحنا الله الحكمة لنتعلم مما حصل في قادم الأيام والسنوات.

‏لكن في الحقيقة الإجابة عن سؤال من انتصر تبدو صعبة، هذه الحرب دون غيرها من الحروب، لا يوجد فيها معيار للانتصار، ولا تكافؤ بين المتحاربين، ولم يحقق احد أهدافه التي أعلنها، وبالتالي لا يوجد فيها أي طرف منتصر، الجميع سيخرجون خاسرين، اما أخلاقيا أو سياسيا، عسكريا أو إستراتيجيا، كابوس أطفال غزة المدمرة، ودماء عشرات الآلاف من الأبرياء، ومأساة أجيال (الحرب) وورثتها، ستطارد المحتل الغاشم، وكل من كان له ضلع في هذه الكارثة.

‏إذا تجاوزنا «وَهْم» الانتصار، يمكن ان نبحث في بورصة ما بعد الحرب، سنجد بازارات سياسية يقبض أصحابها الثمن من تحت الطاولة، سنجد تجارَ أسلحةٍ ومقاولي حروب ومتفرجين يجلسون على مقاعد الانتظار، وثمة متواطؤون يضعون رجلا هنا ورجلا هناك، هؤلاء حين تضع الحرب أوزارها سيتقاسمون الأرباح المؤقتة والخسائر، تماما كما يفعل الورثة بعد أن يُشيع الفقيد إلى المقبرة، غزة اليوم أكبر مقبرة يشهدها تاريخنا المعاصر.

‏لكي نفهم ما حدث أكثر، لابد أن ندقق، أولاً، في مشروع هذه الحرب وأطرافها ومن يقف خلفها، ثم أهدافها الكبرى، الإستراتيجية والتكتيكية.

يجب، ثانيا، أن نتجاوز مقولات ومسلمات ورغبات صادقة نتوافق عليها جميعا، مثلا الحق المشروع للمقاومة، الأمل بانتصارها، الإدانة والرفض للاحتلال (باعتباره عدواً)، ولكل ما يقوم به من ممارسات بشعة، وما يحمله من نوايا لشطب القضية الفلسطينية والتوسع والهيمنة على المنطقة، ثم ما فعلته 7 أكتوبر من انكسار لهيبته، وتهديد لوجوده، يجب، ثالثا، أن نُسقط من حساباتنا بعض الرهانات ؛ تحولات الرأي العام الدولي، مثلا، استعادة منظومة العدل الدولية ومؤسساتها، ثم العروض السياسية المغشوشة التي تتسابق، الآن ولاحقا، دول جبهة الحرب لتصديرها إلينا بالتنسيق مع تل أبيب.

‏إذا توافقنا على ذلك، ثم على أننا أمام حرب شبه عالمية، وغير مسبوقة، تم الإعداد والتجهيز لها منذ زمن طويل في سياق مشروع صهيوني متدرج الخطوات، ومساندة دولية مدروسة ومفهومة، وفي ظل ظروف إقليمية مضطربة تبحث فيها كل دولة عن طوق نجاة، وتتصارع فيها بعض القوى الإقليمية الكبرى لانتزاع حصتها من النفوذ، مع غياب شبه تام (عجز أدق) للنظام الرسمي العربي، ثم وضعنا احتمالات وألغاز 7 أكتوبر وما انكشف حتى الآن، وما قد ينكشف لاحقا، في ظل الاستفراد بالمقاومة وخذلانها، فإن أخشى ما أخشاه أن يكون المرشح الأول على قائمة الخاسرين، في حسابات صفقة (صفقات) ما بعد الحرب، هو نحن، أقصد العرب والفلسطينيين.

‏صحيح، المقاومة لن تموت، فحيثما كان احتلال أخرجت الأرض مقاومة، وحماس التي تم أضعافها، قد تظل في المشهد أو تتعافى لاحقا، وبناء غزة وإعمارها سيتم وأن تأخر طويلا، وماراثون المفاوضات سينطلق كما حصل قبل 30 عاما، لكن كل هذا لا يضعنا في قائمة الرابحين، لا عسكريا ولا سياسيا، كما لا يضع الأطراف الأخرى: الكيان الصهيوني وحلفاءه على هذه القائمة، فمع انتهاء الحرب ستدفع الطبقة السياسية والعسكرية في الكيان المحتل الثمن، كما دفعته إدارة بايدن ومعها الديمقراطيون، وكذلك طهران وأذرعها، وغيرهم من الشركاء المخفيين.

‏قد نختلف على توزيع أسهم الخسارة، وقد يبدو للبعض أن ثمة أرباحا هنا أو هناك، وقد يأخذنا التحليل السياسي إلى سرديات صادمة تختصر ما حدث منذ نحو 460 يوما على الحرب، وما تركته من كوارث وجراحات وآلام، لا يمكن وصفها ولا تعويضها، لكن لا يجوز أن نختلف على حقيقة واحدة، وهي أن الحرب أطلقت مارد الجنون من قمقمه، وأنه سيأخذنا، مستقبلا، إلى مزيد من الفوضى والدمار، وبالتالي فإن استدعاء الحكمة أصبح واجبا.

يكفي ما حدث، يكفي أهل غزة هذه المعاناة التي لا يمكن وصفها ولا يتحملها بشر، لا بد أن تتوقف هذه الحرب بأي شكل، وبأي ثمن، ثم أن نستدرك أثمانها السياسية القادمة التي قد تكون أبشع منها، ( كيف؟ لا أدري) لكن، أخشى ما أخشاه أنها لن تتوقف, حتى وإن تم الاتفاق على الهدنة، لأن كل طرف فيها لا يعترف بالخسارة، أو بنصيبه منها، ، وما زال يصر على الانتصار الكامل.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير