جفرا نيوز -
في خضم الأحداث المتسارعة ومحاولات الهيمنة على المنطقة، عادت بعض الجهات لتكشف عن فصول جديدة من مساعيها البائسة لتزوير التاريخ.
آخر هذه المحاولات تمثلت في نشر خرائط مزيفة تدّعي أن الأردن وأجزاء من فلسطين ولبنان وسوريا جزء مما يسمى بـ”إسرائيل الكبرى”.
هذه الخرائط، التي يراد لها أن تُعرض كحقائق تاريخية، لا تعبر إلا عن حالة من الانفصال عن الواقع والعجز عن تحقيق الأطماع على الأرض، مما دفعهم إلى اللجوء إلى تزوير الجغرافيا وإعادة رسمها بما يناسب تصوراتهم.
الأردن، بشعبه وقيادته الحكيمة وعلى رأسها جلالة الملك عبد الله الثاني، ظل وسيظل بعون الله سدًا منيعًا أمام كل محاولات التآمر والنيل من سيادته ووحدته الوطنية.
هذه القيادة، التي تحمل إرث الهاشميين وتاريخهم في الدفاع عن الحقوق والحريات، تقف اليوم شامخة في وجه كل الأطماع، واضعة مصلحة الوطن والأمة فوق كل اعتبار.
وأمام هذا الثبات العظيم، لا يجد أعداء الأردن سبيلًا سوى محاولات إعلامية تسعى لتبديل الحقائق، علهم يحققون ما عجزوا عنه في الواقع.
إن محاولات تحريف الخرائط ليست جديدة، بل هي امتداد لسلوك تاريخي يعتمد على التزوير والالتفاف على الحقائق. يقول الله تعالى: "فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ” (سورة البقرة: 79). فالتزييف ليس بجديد عليهم، ليبرروا أطماعًا غير مشروعة.
لكن دعونا نتوقف قليلاً عند هذه الخرائط المرسومة،
ربما كان الأولى بهم أن يُخرجوا خرائط تخلو تمامًا من السكان!
فحتى ولو كانت الجغرافيا تخضع لأوهامهم، فإن السكان على الأرض هم التحدي الأكبر الذي يواجه هذا الكيان.
من يسكن هذه الحدود التي يحلمون بها؟
هل منطقهم يقبل خرائط دون بشر، أم أنهم يعترفون ضمنيًا بأن أحلامهم قائمة على التهجير والتزييف، لأن حتى أبناء المشروع الصهيوني أنفسهم باتوا غير قادرين على العيش في ظله؟
تلك الخريطة ليس سوى اداة إعلامية للخروج من المأزق الراهن الذي تعيشه إسرائيل مفادها رسالة تطمين مزيفة لليهود في أنحاء العالم،
الأزمة الحقيقية التي تعكسها هذه السلوكيات لا تكمن فقط في الأطماع الإقليمية، بل في التحدي الداخلي العميق الذي يواجهه الكيان الصهيوني اليوم.
فالأحلام التي عملت دولة الكيان على ترويجها لعقود، لجذب اليهود من كافة أنحاء العالم للعيش في فلسطين، أظهرت أحداث أكتوبر الأخيرة حقيقتها. فالكيان الذي صُوِّر كملاذ آمن ومزدهر للشعب اليهودي، بات أشبه بحديقة مزروعة فوق بركان، يتململ وينذر بالانفجار في أي لحظة.
كشفت هذه الأحداث هشاشة الأمن والاستقرار المزعومين، وأثبتت أن العيش في أرض الصراعات يخالف الفطرة البشرية التي تنشد السلام والأمان. الشعب اليهودي الذي رُوّج له أنه سيجد حياة مزدهرة على أرض فلسطين، وجد نفسه إما بين مهاجر غادر هذه الأرض أو شخص يعيش في ظل صراعات دائمة أثقلت كاهله وأفقدته أحد أفراد أسرته أو أصدقاءه. وقد شاهدنا، بالرغم من التكتم الإعلامي، انعدام الرغبة في الاستمرار.
الصهيونية التي طالما وُصفت بأنها حلم العودة، باتت عبئًا على شعبها، بينما الحقيقة هي أن الأرض لا تقبل الغريب عنها.
الأردن ليس مجرد دولة ذات حدود مرسومة، بل هو رمز للصمود العربي وركيزة أساسية في الدفاع عن قضايا الأمة. فقيادته، التي تضع القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية في صدارة أولوياتها، تمثل صوت الحق في مواجهة كل محاولات التهويد والتزييف.
إن الخرائط الزائفة التي تُروَّج اليوم لن تُغير من الواقع شيئًا، ولن تنال من حقوق الأردن والأمة العربية. نقول لكل من يحاول النيل من الأردن أو تزوير الحقائق: الأردن سيبقى بقيادته وشعبه سدًا منيعًا لا تنال منه المؤامرات، ورسوخه في الحق أقوى من أكاذيبكم.
أما خرائطكم، فهي مجرد أوهام عابرة ستتلاشى أمام الحقيقة الراسخة التي لا يمكن محوها.
"وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ” (سورة الشعراء: 227).