النسخة الكاملة

تقرير ديوان المحاسبة: التدقيق على الاداء

الثلاثاء-2025-01-07 03:50 pm
جفرا نيوز -
البرفسور عبدالله سرور الزعبي

لفت انتباهي بعض الانتقادات التي وجهت لتقرير ديوان المحاسبة الثاني والسبعون لسنة 2023 والصادر امتثالاً للاستحقاق الدستوري، الامر الذي دفعني لقراءة التقرير بالكامل، والعودة الى الخطة الاستراتيجية لديوان المحاسبة للاعوام 2024-2027 ومقارنتها بالخطط للاعوام 2021-2023 و 2016-2020، كما اظطرني الامر العودة الى ملاحظات كنت قد سجلتها قبل اكثر من عقد من الزمن عن جهاز التدقيق الالماني (Federal Audit Office) وذلك من خلال نقاشات كانت تجري مع البرفسور Hoetzeh وهو الذي كان يقود مشاريع المياه المدعومة من الحكومة الالمانية في المنطقة والدكتور Metzger من الجهاز الرقابي الالماني وغيرهم، وحيث كان الانفاق الحكومي الالماني في ذلك الوقت يتجاوز 1.5 تريليون يورو، وكنا نتحث بفخر امامهم عن اداء ديوان المحاسبة في الاردن وهو يتطرق في تقريره الى ادق التفاصيل من رقابة قانونية ومحاسبية ومالية واقتصادية وفنية وادارية وان حجم التقرير يتجاوز احياناً 600 صفحة، فاشاروا عندها الى ان الرقابة ليست بحجم التقرير ولا بالتفاصيل المملة (التقرير لديهم كان اقل من 200 صفحة) بل بما يحتوية من رقابة على الاداء والحكم على النتائج (الالمان مشهورين في بيروقراطيتهم ودقتهم) وهو الامر الذي كنا نفتقده في تقارير ديوان المحاسبة السابقة. 

ان المراقب لتقارير ديوان المحاسبة خلال العقود الماضية يلاحظ زيادة في حجم التقارير سنوياً، وهذا قد يكون امر طبيعي كنتيجة لزيادة في عدد مؤسسات الدولة الخاضعة لرقابته. كما انه لمن الملاحظ ان تجدها تقليدية في طريقة اعدادها على مدار السنوات، واحياناً تجد فيها مخالفات من المفروض ان لا تكون، وان وجودها في ذلك الوقت، يبين بان بعض العاملين كان يعمل للبحث عن الاخطاء مهما كان نوعها ليدونها. هذا مع العلم بان ديوان المحاسبة انشئ من اجل منع تكرار المخالفات والعمل على تصويبها ان وجدت ومساءلة المسؤولين عن القرارات مهما كان نوعها، الادارية منها والمالية وغيرها والتي ترتكب في المؤسسات وتشكل اعتداءً وهدراً للمال العام في قتها او انها ستلحق الضرر في المؤسسة مستقبلاً. 

ان التقرير الاخير لديوان المحاسبة جاء مختلفاً ولا اتحدث هنا عن الشكل والاخراج، ويشير الى تحسن ملحوظ في اداء المؤسسات، ويستدل على ذلك من عدد الكتب الرقابية والاستيضاحية لعام 2023، والتي باغت 417، بينما كانت في عام 2022 بواقع 376 كتاباً، بينما عدد المخالفات المرتكبة عام 2022 كانت 5087 مخالفة مقارنة مع 4883 لعام 2023، حيث تم تصويب 2366 منها، وهذ يعني تطوراً ايجابياً في الاستجابة ويسجل كانجاز لديوان المحاسبة (من حيث زيادة في الكتب الرقابية يقابله انخفاض في عدد المخالفات). كما ويلاحظ بان الوفر المالي الذي تحقق لعام 2022 بلغ حوالي 102 مليون دينار، مقابل حوالي 29 مليون لعام 2023، وهذا ايضاً يعتبر مؤشر ايجابي ويشير الى ان اجهزة الرقابة الداخلية في المؤسسات بدأت تعمل بكفاءة اعلى. وهنا فانني اشير الى انه قد سبق وان كان لي تجربة شخصية مع وحدة الرقابة الداخلية في جامعة البلقاء التطبيقية، واذكرها على سبيل المثال فقط، حيث كان تقييم الوحدة للفترة من 1/1/2016 الى 30/6/ 2016 بواقع  43%، الامر الذي تطلب وضع خطة تنفيذية لها وقواعد اداء دقيقة ورفدها بادارة وكوادر للقيام بالعمل ومتابعة حثيثة من الادراة العليا، لتنتقل الى تقييم 73% في 31/12/2016، ثم الى تقييم 88% بتاريخ 30/6/2018، وتصبح 96% بتاريخ 31/12/2018، لتصل الى 98% في 31/12/2019، وتكون الجامعة بذلك من افضل عشر مؤسسات من بين كافة المؤسسات الخاضعة للرقابة لعام 2020 وبتقيم  98% ايضاً، كما ولم يسجل عليها في تقرير 2020 ايه مخالفات نوعية تذكروكذلك في تقرير 2021، وهذا لا يعني ان الاخطاء لا تحصل على الاطلاق ومن قبل الجميع اي كانت مواقعهم ومستوايتهم الوظيفية. 

كما كنت قد استمعت الى مقابلة رئيس ديوان المحاسبة على شاشة التلفزيون الاردني وهو يتحدث عن بعض المخالفات المرتكبة ومنها المخالفة المسجلة على مؤسسة الاذاعة والتلفزيون والمتعلقة بفواتير الكهرباء المترتبة على محطة ارسال الخرانة، واعجبني وهو يشير الى انه اذا وجد هناك خطاء رقابي فانه لا يكتفي بازالة الخطاء، بل سيعتذر من المؤسسة المعنية عن ذلك، واضاف بانه لن يقبل بان يتم تسجيل مخالفات دون العودة الى الاخذ بالاسباب. وهنا ايضاً اشير الى تجربة شخصية، وعلى الرغم من وصول وحدة الرقابة الداخلية في جامعة البلقاء الى تقييم 98% وخلو تقارير ديوان المحاسبة من اية ملاحظات رقابية في تقارير ديوان المحاسبة للاعوام 2020 و 2021، الا انه كان قد ظهر للعلن تقرير لديوان المحاسبة كان قد اعد بناءً على طلب من معالي وزير التربية والتعليم العالي انذاك وصدر بتاريخ 4/2/2022 يبين وجود عدد من التجاوزات والمخالفات المرتكبة في الجامعة خلال الاعوام 2018-2021 (خلافاً لتقارير الديوان السابقة وتقييم وحدة الرقابة) الامر الذي تطلب تدخلاً من اجهزة رقابية اخرى للتحقق منها، وتبين لاحقا بان المخالفات لا وجود لها (اي ان كأفة الاجراءات كانت صحيحة بالكامل وموثقة) وان ما اعتبر مخالفات كانت قد اسقطت في التقرير في غير موقعها (حسب ديوان المحاسبة لاحقاً)، كما كان من بين المخالفات الواردة في التقرير، مخالفة للاجراءات في احد المشاريع (مشروع الطاقة الشمسية) سبق لديوان المحاسبة وان ازال ملاحظته عن المشروع رسمياً بتاريخ 6/1/2020 وتم حفظها، كما وسبق لاحد الاجهزة الرقابية ان دقق فيه لاكثر من مرة وحفظ الموضوع لسلامة الاجراءات بالكامل (كما وتبين لاحقاً بان المشروع يعتبر الاكبر بين مشاريع المولدة للطاقة بين الجامعات ويحقق لهداف التنمية المستدامة للجامعة، منشور بتاريخ 20/9/2023)، الا انه ومع كل اسف لم يخرج احد لتوضيح ما حصل في حينها، وعلى عكس ما تحدث به رئيس ديوان المحاسبة الحالي على شاشة التلفزيون الاردني وبكل جراءة يشكر عليها، مؤكداً بان الاخطاء قد تحصل من الجميع وبمن فيهم العامليين في ديوان المحاسبة.  

وبالعودة الى استراتيجية الديوان للاعوام 2024-2027 نجد انها تنطوي على خمسة اهداف استراتيجية وعدد من المحاور التي تحتاج الى 41 مشروعاً لتنفيذها، وبخطة تنفيذية واضحة. الا ان الملفت للنظر ايضاً بان هذه الاسترتيجية قد تطرقت الى مواضيع لم يتم التطرق الية سابقاً وهو المنفعة المجتمعية والتدقيق المبني على تقيم ادراة المخاطر (وهنا اذكر بانه سبق لجامعة البلقاء ان وضعت خطة استرتيجية وتنفيذية لادارة المخاطر في الجامعة، تم اعدادها من قبل احد اعضاء الهئية التدريسية فيها وبتكليف من رئيس الجامعة انذاك، مقابل مكافأة مالية محدودة، الامر الذي دفع بعض اعضاء مجلس الامناء للاعتراض عليها من منطلق عدم جدواها من وجهة نظرهم، الا ان موقف رئيس مجلس الامناء في ذلك الوقت معالي المرحوم هشام الخطيب الصلب وبعض الزملاء في المجلس سمح باقرار الخطة وتم تفعيلها انذاك) والتدقيق على الامتثال (compliance audit) والتدقيق على تحقيق اهداف الاسترتيجيات للمؤسسات (وهنا لا بد من ذكر بان بعض الاسترتيجيات في السنوات السابقة كان مصيرها الفشل او عدم تحقق الاهداف او يتم الاستعاضة عنها باخرى وتتكرر العملية ومثال على ذلك، استراتيجيات التعليم العالي منذ اكثر من 15 سنه) والتدقيق على الاداء وهو اعلى درجات التدقيق (performance audit)، والتدقيق على الأنظمة المحوسبة و ممارسات الحوكمة (وهذه كانت الممارسات التي تستخدم في جامعة البلقاء في الفترة 2016 - 2021، من مبدأ المكافأة على الإنجاز). 

ان المدقق في استراتيجية ديوان المحاسبة الاخيرة والخطة التنفيذيه لها ومشاريعها وكذلك تقرير الديوان الاخير يجد ان الديوان يمر بمرحلة انتقالية من الرقابة التقليدية التي عهدها الجميع الى الرقابة على الاداء والرقابة على تحقيق اهداف استرتيجيات المؤسسات الخاضعة للرقابة (هذا يعني باننا سنشهد بالسنوات القادمة نقلة نوعية في التقارير من حيث الرشاقة واستخدام احدث التقنيات والبرمجيات لتفادي وقوع الأخطاء وزيادة في نسبة الامتثال لكافة المؤسسات واداء افضل لاجهزة الرقابة الداخلية) وهو الامر الذي يعتبر حجر الاساس لتحقيق رؤى جلالة الملك في اصلاح القطاع العام  والوصول الى تحقيق اهداف التنمية المستدامة في الدولة الاردنية.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير