جفرا نيوز -
بعد تسلمه صهاريج خاصة لسحب وضخ مياه الصرف الصحي من دولة الإمارات، توجه دياب الجرو، رئيس بلدية دير البلح وسط قطاع غزة، إلى مكتبه لاستقبال بعض المراجعين. وبعد دقائق قليلة، وفي الساعة الواحدة و40 دقيقة من ظهر يوم السبت، استهدفت طائرة إسرائيلية مكتبه بصاروخ، مما أسفر عن استشهاده مع موظف آخر، إضافة إلى 9 مواطنين، وإصابة آخرين.
ورغم خطر الاغتيال والتهديد الواضح الذي توجهه إسرائيل لكل الموظفين الذين يقدمون أي خدمات للمواطنين، اختار الجرو الاستمرار في أداء رسالته، حتى قضى شهيدا، حيث سبق أن تعرض لمحاولة اغتيال في شهر يونيو/حزيران الماضي عندما قصفت طائرة إسرائيلية مكتبه، وأصابته بجروح.
وبدأ الجرو عمله كرئيس لبلدية دير البلح في يونيو/حزيران 2020، بعد أن عمل لمدة 5 سنوات نائبا لرئيس البلدية السابق سعيد نصار. ويُعد رابع رئيس بلدية تغتاله إسرائيل خلال الحرب، حيث سبق أن قتلت مروان حامد رئيس بلدية الزهراء، وحاتم الغمري رئيس بلدية مخيم المغازي، وإياد المغاري رئيس بلدية النصيرات.
شاهد على الجريمة
خلال الغارة، كان عضو المجلس البلدي محمد أبو بركة داخل مبنى البلدية، ليصبح شاهد عيان على الجريمة الإسرائيلية، ويقول للجزيرة نت، إن الغارة كانت في وقت الذروة، حيث كان مبنى البلدية وساحته يعجان بالمواطنين.
وأضاف "بينما كان هناك الكثير من المراجعين، وكان الشهيد دياب الجرو على رأس عمله، تعرض مبنى البلدية لغارة إسرائيلية بدون سابق إنذار، وهو ما أسفر عن استشهاد الرئيس وموظف آخر و9 مواطنين مراجعين، وإصابة العديد من الموظفين والمراجعين”.
وأشار إلى أن العدوان تسبب بإصابة مباني البلدية بأضرار فادحة، لكنه أكد أن البلدية "لن تتوقف عن تقديم الخدمات للمواطنين مهما زاد الاحتلال من عدوانه”، مضيفا "نحن مؤسسة خدماتية وعملنا محمي بموجب القانون الدولي الإنساني”.
وأشاد أبو بركة بالجرو، وقال "هو رجل في زمن عز فيه الرجال، لم يتخلّ عن واجبه رغم التهديد والخطر الكبير، وظل على رأس عمله حتى اليوم الأخير”، وأضاف "كان رجلا يحمل عزيمة قوية وحسا إنسانيا كبيرا، ويشعر بمعاناة المواطن ويسعى بكل جدية لحل مشاكله”.
وأشار إلى الأعباء التي وصفها بـ”الهائلة” والتي كانت ملقاة على عاتق الجرو، خاصة أن عدد سكان مدينة دير البلح تضاعف قرابة 10 مرات بسبب عمليات النزوح، وبات يقترب من المليون شخص.
كما لفت إلى أنه تمكن من تحقيق العديد من الإنجازات رغم قلة الإمكانيات، ومنها افتتاح محطة تحلية، وتوقيع اتفاقية مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتحسين خدمات النظافة، بالإضافة إلى جلب صهاريج لسحب وضخ مياه الصرف الصحي من مخيمات الإيواء التي تعاني من امتلاء الحفر الامتصاصية التي اضطر المواطنون لحفرها.
وختم أبو بركة حديثه بالقول "رحل أبو الوليد (دياب الجرو) وهو يؤدي واجبه، متحملا مسؤوليته بشجاعة قلّ نظيرها، لقد ضحى بنفسه وأدى رسالة سامية في مواجهة حرب الإبادة الصهيونية”.
استهداف البلديات
يرى الكاتب والمحلل السياسي من قطاع غزة وسام عفيفة، أن إسرائيل تسعى من خلال استهداف رؤساء البلديات إلى "خلق حالة من الفوضى والإرباك وضرب الجبهة الداخلية، على غرار ضرب المنظومة الأمنية، وهو ما أسفر عن انتشار ظاهرة سرقة قوافل المساعدات الإنسانية بما ترتب عنها من مآس”.
وأشار إلى أن مخطط إسرائيل "خطير للغاية، نظرا لأن البلديات -وحدها- تقدم حاليا الخدمات لنحو مليوني فلسطيني (عدد سكان القطاع)، في ظل غياب الوزارات بسبب الاستهداف الإسرائيلي”.
وأضاف موضحا "حاليا، رئيس البلدية هو صمام الأمان في منطقته، واستهدافه يخلق حالة من الخوف والإرباك داخل المنظومة الإدارية في البلدية، ويؤثر على الخدمات المقدمة، حيث إنه المخوّل بتوقيع الاتفاقيات مع الجهات المانحة التي تقدم المساعدات”.
وأكمل "استهداف رئيس البلدية عقاب جماعي للمواطنين، وضرب للجبهة الداخلية، وإحداث فراغ يتسبب بفوضى عامة، وهي لا تقل خطورة عن العدوان العسكري المباشر”.
لكنّ عفيفة يرى أن البلديات تنجح في كل مرة في امتصاص الضربات الإسرائيلية، وتعود إلى إصلاح الأضرار التي تكبدتها، وتواصل العمل في تلبية الحد الأدنى من الخدمات التي يحتاجها المواطن، رغم التداعيات الكارثية التي لا يمكن إغفالها.
عطاء مستمر
ولد دياب الجرو (أبو الوليد) عام 1974 في مخيم دير البلح للاجئين، لأسرة هُجرت من قرية "يِبنا” في النكبة عام 1948، وهو أب لستة من الأبناء، وخلال الحرب التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 فقد الجرو والدته وشقيقه خالد و4 من أبنائه.
تعلم الجرو في مدارس دير البلح، وحصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من الجامعة الإسلامية بمدينة غزة، ولاحقا على درجتي الماجستير والدكتوراه في التاريخ، حيث عمل في البداية مدرسا لمادة التاريخ في مدارس جمعية الصلاح بدير البلح في الفترة ما بين عامي 2000 و2004.
ثم تولى لاحقا العديد من المناصب الإدارية، ومنها رئاسة مجلس إدارة جمعية الصلاح الخيرية، ورئاسة لجنة زكاة دير البلح، ثم رئاسة لجنة الطوارئ الحكومية في قطاع غزة.
وفي عام 2015 شغل منصب نائب رئيس بلدية دير البلح، وفي يونيو/حزيران 2020 تولى رئاسة البلدية، وبقي في منصبه حتى استشهاده.
الجزيرة