جفرا نيوز -
لما جمال العبسه
التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية التي تتعمق يوما بعد الاخر، تاركة وراءها آثارا سلبية واضحة على الاقتصادات حول العالم، كان لها الاثر الاكبر على الاقتصادات العربية، بعض هذه الآثار كان ردة فعل سلبية على عدد منها، فيما انطبق على بعضها الآخر المثل القائل «رب ضارة نافعة» حيث تمكنت اخرى من تحسين ميزانها التجاري لصالحها. في تقرير أممي جديد صادر عن منظمة الإسكوا ورد أن قيمة إجمالي الصادرات السلعية العربية كانت 1.4 تريليون دولار حتى نهاية العام الماضي، وشكلت نحو 5.8% من الصادرات العالمية، وعلى مدى عقود كانت هذه الارقام تتحقق من سلعتي النفط والغاز، بمعنى أن الاستفادة حكرا كانت على الدول المنتجة والمصدرة لهاتين المادتين، للمفارقة فإن التغيرات العالمية والتي أدت إلى انخفاض ملموس في الطلب على هاتين السلعتين وبالتالي انخفاض اسعارهم في العام الماضي الاثر في تقليل الإيرادات الدول العربية النفطية.
في الوقت الذي أدى السبب نفسه إلى تحسين ميزان التجارة في الدول ذات الاقتصادات المتنوعة ومنها الاردن، الذي استطاع قطاع الصناعة فيه إلى اختراق أسواق عالمية بتصدير سلع غير تقليدية وبعيدة كل البعد عن صادرات قطاع الطاقة عموما.
مبكرا ادرك جلالة الملك أهمية القطاع الصناعي، وأولاه اهتماما كبيرا، موجها الحكومات المتعاقبة على ضرورة تشجيع الاستثمار فيه والعمل على تجاوز التحديات المرتبطة فيه خاصة مُدخلات الإنتاج كاسعار الطاقة والماء، وتقديم حوافز للمستثمرين لتعزيز استثماراتها ورفع مستويات انتاجهم لتنافس في الاسواق الخارجية.
للمعلومة قبل العام ألفين الذي لم يكن معروفا على نطاق واسع بصناعة الملابس عالية الجودة وتصديرها إلى الاسواق الخارجية، وعلى مدار هذه السنوات تمكنت الشركات الصناعية من تحسين جودة انتاجها لتبرز لاحقا كمصدر رائد للملابس حتى وصلت إلى اسواق متقدمة مثل امريكا واوروبا.
الملفت في التقرير عدد الاسواق التي تصلها صناعة الملابس المحلية والذي بلغ 60 سوقا وبلغت قيمة الصادرات اليها في نهاية العام الماضي 2.1 مليار دولار، ليتضح جليا أن نتائج النهج الذي اتُبع على مدار ما يقارب 25 عاما بدأت تؤتي اُكلها بشكل مرض، سواء على صعيد الاتفاقات العالمية او سياسة جذب الاستثمار في هذا القطاع.
أما صناعة الادوية، فجميعنا يعلم تماما انه احد ركائز الاقتصاد الوطني الاساسية، عدا عن دوره في دفع عجلة الاقتصاد الوطني، ولاسباب متعددة اهمها ايمان المستثمر الاردني بأهمية الاستثمار المحلي حققت هذه الصناعة نموا بنسبة 19% في عدد الاصناف الدوائية المصنعة محليا والمصدرة عالميا، وللعلم فهي تلقى ثقة عالية في الاسواق، وكانت قيمة تصدير 2482 صنفا دوائيا لـ 73 سوقا حول العالم 869 مليون دولار العام الماضي، من ضمنها بالطبع الولايات المتحدة الامريكية وأوربا.
كل ما سبق يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المستثمر الاردني عموما والصناعي خاصة لا يزال يثق بقدرته على الاسثتمار بل وتعزيز وجوده محليا والانطلاق عالميا.
صحيح أن الامر احتاج لعقدين ونصف، الا انه حدث وهذا امر جيد، والواجب على صاحب القرار الان تعزيز هذا القطاع الذي يمكن اعتباره بانه اهم القطاعات الاقتصادية في جوانب متعددة على رأسها تخفيف حدة البطالة في السوق المحلية والانطلاق نحو العالمية وتصنيف اقتصاد بلدنا بناء على نجاحاته، ليس فقط في قطاعي الملابس والادوية بل في صناعات اخرى مختلفة ومتنوعة.
الامر معقود حاليا في كيفية تشجيع المستثمرين في القطاع الصناعي اكثر فاكثر، وضرورة مواكبة التغيرات الحاصلة على الصعيد العالمي، فالوقت الحالي فرصة لهذه الصناعات التي تحتاج الكثير لرفع سويتها وجعلها منافسة في الاسواق العالمية ليس على النطاق السعري فحسب بل على الجودة والدقة في التصنيع.
لا نحتاج إلى النفط والغاز لكي نخترق اسواق العالم وانما تحتاج صناعاتنا إلى المزيد والمزيد من الاهتمام والدعم حتى تتوسع محليا لتنطلق عالميا، وهذا الامر ليس بعيد المنال، واليوم نبرهن أن لدينا الامكانات لاختراق الاسواق ليس فقط المجاورة ولكن العالمية.