النسخة الكاملة

أين الحقيقة بخلافات "الصحة" والأطباء وشركات التأمين؟

الثلاثاء-2024-11-19 11:41 am
جفرا نيوز -
بقلم الدكتور عادل محمد الوهادنة

مقدمة: اتفاق مفقود رغم التصريحات الرسمية

في مشهد يعكس عمق الأزمة التي تعصف بالقطاع الصحي الأردني، اجتمع ممثلون من وزارة الصحة، نقابة الأطباء، وشركات التأمين على طاولة المفاوضات، وخرجوا للصحافة معلنين التوصل إلى اتفاق يُفترض أنه يرضي جميع الأطراف. لكن ما لبثت الأمور أن تعقدت بعد ذلك، حين أصدرت نقابة الأطباء كتابًا رسميًا بتوقيع جميع أعضائها، تُعلن فيه رفضها لهذا الاتفاق المعلن، على الرغم من حضورهم الجلسة وموافقتهم الظاهرية.

تناقض التصريحات: أين الحقيقة؟

•الاجتماع الرسمي:
•انعقد برعاية وزارة الصحة، وجاءت التصريحات بعد الاجتماع لتؤكد الوصول إلى تفاهم مشترك.
•تم الإعلان عن حلول ترضي جميع الأطراف، خاصة فيما يتعلق بأجور الأطباء وشروط شركات التأمين.
•بيان النقابة:
•بعد وقت قصير من التصريحات الرسمية، أصدرت نقابة الأطباء كتابًا بتوقيع جميع أعضائها يعلنون فيه رفضهم للاتفاق الذي تم الإعلان عنه.
•يعكس هذا البيان انقسامًا بين ما يُعلن في الإعلام وما يُتفق عليه خلف الأبواب المغلقة.

تحليل التصريحات المتناقضة: الإطار القانوني وحقيقة الالتزام

1.الإطار القانوني للاتفاقات:
•الاتفاقات التي تُعلن بعد اجتماعات رسمية برعاية وزارة الصحة تكتسب طابعًا قانونيًا، خاصة إذا توافرت شروط التوثيق والتوقيع من جميع الأطراف.
•وفقًا للقانون الأردني، فإن الاتفاقات الشفوية التي تحظى بموافقة جميع الأطراف الحاضرة وتُعلن علنًا، قد تكون ملزمة في حال وجود تفويض رسمي بالتفاوض.
2.قوة بيان النقابة:
•البيان الذي أصدرته النقابة، والذي يحمل توقيع جميع الأعضاء، يُعتبر وثيقة رسمية تعبر عن موقفها الجماعي.
•هذا التصريح يُبرز الخلاف بين ما تم الاتفاق عليه في الاجتماعات المغلقة وما تم إعلانه للعلن، مما يضع علامات استفهام حول مصداقية التصريحات الرسمية.
3.الحق في الاعتراض القانوني:
•حق النقابة في رفض الاتفاق يعتمد على مدى قانونية التفاوض من البداية. هل كان لديهم الصلاحية القانونية في الاجتماع السابق للموافقة النهائية، أم كانت هذه الجلسة مجرد مرحلة تفاوضية؟
•في حال كان الاتفاق ملزمًا، فقد تواجه النقابة تحديات قانونية لتبرير رفضها العلني.

الآثار المترتبة على التراجع عن الاتفاق: رؤية قانونية ومهنية

1.على النظام الصحي:
•التراجع عن الاتفاقات المعلنة يعكس غياب التنسيق الفعّال، مما قد يؤثر على تقديم الخدمات الصحية ويسبب تأخيرًا في تقديم الرعاية المناسبة.
•يضعف هذا التناقض ثقة المجتمع في قدرة الأطراف الصحية على التوصل إلى حلول جماعية تنعكس إيجابيًا على النظام الصحي.
2.الشفافية والمصداقية:
•التراجع المفاجئ من جانب النقابة، بعد الإعلان عن اتفاق مشترك، يُلقي بظلاله على مصداقية جميع الأطراف ويعزز الحاجة إلى توثيق الاتفاقات بدقة ووضوح.
3.التأثير على الأمن الصحي والاجتماعي:
•استمرار الخلافات يعزز الشعور بالفوضى في القطاع الصحي، مما يؤثر سلبًا على الأمان الصحي الوطني.
•الشركات والجهات الدولية قد تتردد في الاستثمار في القطاع الصحي الأردني إذا كان هناك انقسام داخلي حول قضايا جوهرية.

دروس مستفادة من الأزمة الحالية: توصيات وحلول عملية

1.توحيد الإطار التشريعي:
•من الضروري أن تكون جميع الاتفاقات المرتبطة بالأجور والعلاقات بين الأطراف موثقة وموقعة كتابيًا، مما يجعلها ملزمة قانونيًا.
•يجب أن تتم مراجعة التشريعات الصحية لضمان توضيح الصلاحيات والمسؤوليات لكل طرف، ولتفادي التناقضات المستقبلية.
2.تعزيز الشفافية في المفاوضات:
•الشفافية هي الأساس لأي مفاوضات ناجحة. يجب أن تكون جميع الجلسات الرسمية مسجلة ومفتوحة للرقابة من طرف ثالث لضمان عدم تراجع أي طرف عن التزاماته.
3.تفعيل دور القضاء كحَكَم نهائي:
•يجب تفعيل دور القضاء في حل النزاعات الصحية، بحيث تكون القرارات النهائية قائمة على أسس قانونية واضحة، وليس على التصريحات المتضاربة.
•تشكيل لجنة مستقلة تضم خبراء قانونيين ومهنيين في مجال الصحة يمكن أن يُساهم في تقديم توصيات محايدة.

التوصيات القانونية لحل النزاع

1.توثيق الاتفاقات والتفويض الرسمي:
•يجب أن تحمل جميع الاتفاقات المعلنة توقيع جميع الأطراف وتفويضًا رسميًا من الهيئات المعنية لضمان الالتزام بها.
•يجب أن تكون الاتفاقات النهائية موثقة كتابيًا، مما يمنع التراجع اللاحق ويضمن الالتزام.
2.احترام الأنظمة والتشريعات الصحية:
•أي تغييرات في الأجور أو اللوائح يجب أن تكون مدعومة بلوائح رسمية تصدر عن الجهات المختصة وتنشر في الجريدة الرسمية.
•يجب أن تكون هناك آلية لمراقبة تنفيذ هذه اللوائح، ومحاسبة الأطراف التي تتجاهلها.
3.تعزيز العلاقة بين الأطباء وشركات التأمين:
•لتعزيز الثقة بين الأطباء وشركات التأمين، يجب إنشاء لجنة دائمة للحوار تضم ممثلين عن النقابة وشركات التأمين ووزارة الصحة، تكون مهمتها متابعة تنفيذ الاتفاقات وحل النزاعات.

خاتمة: نحو مستقبل صحي أفضل في الأردن

إن الأزمة الحالية بين نقابة الأطباء وشركات التأمين ليست مجرد خلاف على الأجور، بل هي فرصة لإعادة تقييم أسس العلاقة بين الأطراف المختلفة في القطاع الصحي. الشفافية، التوثيق، والالتزام بالقانون هي المفاتيح لتجاوز هذه المرحلة وبناء نظام صحي مستدام وقادر على مواجهة التحديات.

الأردن، بفضل تاريخه الطويل في الرعاية الصحية المتقدمة والابتكار الطبي، يمتلك القدرة على تجاوز هذه الأزمة وتحقيق توافق يعزز من كفاءة النظام الصحي ويرفع من مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين. الشفافية والالتزام بالقانون سيعيدان الثقة في النظام، ويضمنان استقرار القطاع الصحي لمصلحة الجميع.

 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير