جفرا نيوز - فرح سمحان
"كل شيء يزيد عن حده يُقلب ضده"، عبارة تفسر حالة الهيجان والضوضاء التي يُحدثها البعض بغرض الدفاع عن هيبة الدولة والرد على الطرف الآخر على اعتبار أنه "مكون شاذ" ويشكل خطر على منظومة الأمن والأمان، وبصراحة أكثر ما حدث في اليومين الماضيين على الأقل لا يُفهم أنه محاولة رد سريع أو تمتين جبهة داخلية، لأن الهجوم بهذا الشكل على جماعة الإخوان المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم جزءًا لا يتجزأ من الدولة يُعطي فرصة لمن هم في الخارج لبث الفتن، وبالتالي بيئة خصبة لإشعال حرائق التصريحات والمشادات التي ستأخذ الأطراف كافة إلى مكان قذر.
من حق الدولة وكل أجهزتها ومن يقفون للرد السريع أن يتدخلوا لو كان المساس في مؤسسة أمنية كالجيش مثلا، هنا سيقف الصغير قبل الكبير بالمرصاد لمن تسول له نفسه التعدي على أي مؤسسة أو رمز وطني، لكن بيان الإخوان المسلمون قد يكون خرج في توقيت ليس مناسبًا لأن "الوضع حامي" كما يقال ، إلا إنه ومع ذلك فيه جوانب إيجابية مُنصفة أغفلها البعض، فهم مؤمنون بقدرة الدولة على تسيير الأمور، وأن جهود جيشنا العربي لن تذهب سدا في مواجهة أي تعدٍ أو خطر، ونقلا عن بيان الإخوان الأخير،" علينا أن نوحد جبهتنا الوطنية ونقف صفاً واحداً أمام هذه المخاطر والتحديات، وستبقى جماعة الاخوان المسلمين كما كانت دوما في خندق الوطن تحرص على وحدته وأمنه واستقراره".
هذا كافٍ لتبرئة الجماعة من تهمة الخيانة التي يحاول البعض التلميح لها ، ثم أنه ما المكسب الوطني وما الفائدة التي ستخرج بها الدولة الأردنية من وجود الانقسامات وإحداث التوتر بين الأحزاب والجماعات؟، في وقت يقف العدو من بعيد وهو يريد أن يختلط الحابل بالنابل، مع إشعال النعرات والفتن عندها سيكون الخاسر الأكبر هو الوطن، واتفقنا أم اختلفنا فالجميع يُخلص للأردن بطريقته ، والمزاودة وزج الاتهامات بطريقة "القطيع" تُفتت الجبهة لا تقويها.
لن يُسمح لأي جماعة كانت الخروج عن الخطوط الحمراء أو التعدي عليها، لأن هناك مسلمات لا يمكن تجاوزها، لكن التعاضد في وقت حساس وحاسم حتى ولو كانت "القلوب ممتلئة" ضروري، والإحراج الحقيقي الذي يضع الدولة في مأزق هو الاشتباك غير المسلح داخليًا، وزج الكره والأحقاد بين المسؤولين والكتاب والمواطنين، والخروج بتصريحات عنيفة على وسائل الإعلام، وأصعب ما في الأمر محاولة جهة أن تثبت أنها مع الوطن في حين يُصر الطرف الآخر على اتهامها بالخيانة، وتعريض الدولة للخطر والانفلات، واللافت أن البعض تعمد استخدام مصطلحات غريبة للتشويش والتضليل.
على العموم ، كنا نتمنى أن نرى مثل هذا الغليان على قضايا تمس أمن الوطن بطريقة مباشرة أكثر، كالفساد مثلا والتعيينات التي تتم "حبطرش" بآلاف الدنانير، وماذا عن تعيينات الهيئات المستقلة والفقر والبطالة؟ ، وماذا عن الاتفاقيات التي كبدت الدولة خسائر بالملايين بسبب سوء الإدارة، وغيرها من الملفات التي نغصت وتُنغص مزاج المواطن، وتجعل أكبر همه تأمين لقمة العيش والستر في زمن لا يرحم، البقاء فيه فقط لمن يمتلك حسابات أكثر في البنوك.