جفرا نيوز -
محمد خروب
اعترتني الدهشة المَحمولة على كمّ لا يُستهان به من الأسئلة, حين وصلتني دعوة مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان, لحضور ندوته السنوية للعام/2024, تحت عنوان «اتجاهات التحوّلات» في العالم العربي بين الأعوام 2025 ــ 2035. ليس فقط في أن القائمين على إعداد هذه الندوة يُبدون نوعا «فريداً» من الثقة, في إمكانية حدوث «تحوّلات» ذات طابع إيجابي في بلاد العرب خلال العقد المقبل, بل خصوصا في رهانهم على ان «العالم العربي» مُرشح للعب دور يرونه (بتفاؤل يُغبطون عليه) يتّسم بالحيوية والإيجابية.
وإذ افتتحت الندوة أعمالها على مدى يوميّ السبت والأحد الماضيّين, وسط حضور «عربي» لافت, من أكاديميين وخبراء وسياسيين وإعلاميين, في إطار برنامج مكثف وطويل, عكس من أمور أخرى, مدى وحجم الجهد الذي بذله الفريق المُولج الإعداد والاتصال, واختيار الموضوعات والمحاور, وأسماء وتخصّصات الباحثين والمُحاضرين «والحضور ايضا», الذين جاءوا من «أقطار» عربية عديدة, شرقية ومغاربية على حد سواء, فإن ما حفلت به جلسات الندوة من نقاشات وحوارات بل واختلافات طبيعية وصحية, بدّدت جزءاً من المخاوف المشروعة التي استبدت ببعض الحضور, حول الم?تقبل الذي ينتظر «العالم العربي» في العقد المقبل, وسط حال عربية غير مسبوقة من الفرقة والتجاذبات, وخصوصا شراسة وخطورة وأبعاد الهجمة الاستعمارية الصهيونية, المدعومة من المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية. شريكة العدو الصهيوني, في حرب الإبادة والتهجير والتجويع التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلّة.
من هنا فإن جلسات الندوة والأوراق التي طُرحت فيها وعناوينها المختلفة, كانت بحق شاملة ومتنوعة, يمكن القول انها «غطّت» معظم ما يمكن ان يخطر على بال أحد, في إطار «عنوان» الندوة والفترة الزمنية المُقبلة (2025 ــ2035) التي تدور محاور الندوة حولها, خاصة أن عنوان الجلسة الأولى تركّز حول «التحوّلات العربية ـ العربية المُحتملة», خُصص لثلاثة محاور شملت التحوّلات المُحتملة في «الأمن القومي والقُطري العربي», فيما المحور الثاني أضاء على «التحوّلات المُحتملة في التعاون والعمل العربي المشترك», وكان الثالث عن «التحوّلات ال?ُحتملة في المجالس الإقليمية العربية», حضرَ الباحثون في تلك المحاور من ثلاث دول عربية هي بالترتيب, مصر, البحرين وليبيا. وقد تميّزت الأوراق التي طُرحت بالجدية والصراحة «فوق» النِسبية, والتي يمكن إرجاعها الى النقاش والمداخلات التي أعقبت «قراءات» الباحثين, حيث إنصب/النقاش, المحمول بحُرقة على أسئلة وتساؤلات اتسم بعضها بالتشاؤم والحيرة, في ظل حال عربية لا تدعو للتفاؤل. زد على ذلك التساؤلات الحائرة حول دقة مُصطلح «العالم العربي». إذ هناك مَن أصرّ على وصفه بـ» الوطن العربي», فيما كرّس الغرب الاستعماري مُصطلح «الشر? الأوسط وشمال إفريقيا», والمؤسف ان وسائل الاعلام العربي اغلبها، إعتمدتْ المُصطلح الغربي الاستعماري, الذي بات مُتداولاً وبشكل عادي ــ من أسف.
لم تخلُ الجلسة «الثانية» التي كان عنوانها «التحوّلات المُحتملة في الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي, في العالم العربي».. من «السخونة» التي كانت عليها الجلسة الأولى, خاصة انها ركّزت على مِحورين الأول: حول «تجربة اتجاهات ومحاولات الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي..الدروس والعِبر», فيما كانت الورقة الثانية حول «التحوّلات المُحتملة في الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي», قدّمهما باحثان من الأردن ومصر. حيث تركّز النقاش والمداخلات, حول ما إذا أدّت أو أسّست بعض محاولات الإصلاح التي تلت فترة ما وصِف بالربي? العربي, بـ«مَوّجتيّه», الأولى في العام 2011, والثانية في العام 2019, الى إصلاح سياسي جاد وحقيقي, وتحوّل ديمقراطي مقبول أو حتى في حدّه الأدنى؟. دون إهمال التدخّلات الخارجية الإقليمية وخصوصا الدولية الغربية.
أما الورقة الثانية فقد أضاءت على سيناريوهات «مُحتملة» لتطوّر نُظم الحكم في الدول العربية, والتي ــ وِفق الباحث ــ تتراوح بين الاستقرار والتغيير, صنّفهما الباحث بين (السِلمي أم العنيف؟. ينحو نحو الانتقال الى الديمقراطية, أم تجديد الاستبداد؟. أم ــ كسيناريو ثالث ــ الانهيار والدخول في صراع, أو الوقوع تحت الاحتلال؟).
وإذ تبقّت ثلاث جلسات لليوم الثاني/ أول أمس الأحد, كانت مثيرة ولافتة في عناوينها والنقاش والمُداخلات التي أعقبت محاورها والأوراق التي قُدمتْ فيها, وكانت ثرية وجادة, فإن المساحة لا تكفي لإستعراضها والإضاءة عليها, لهذا سأكتفي بالحديث عن الجلسة الثالثة التي جاءت تحت عنوان «التحولات المحتملة في الصراع العربي ــ الإسرائيلي 2025 ــ 2035». قدّم أوراقها ثلاثة باحثين واحد من العراق وفلسطين/إثنان. تحدّث فيها الباحث العراقي حول «التحوّلات في الفكر السياسي العربي تجاه الصراع مع المشروع الصهيوني». فيما أضاء باحث فلسطيني?على «التحوّلات المُحتملة في العلاقات العربية الإسرائيلية, والعربية الفلسطينية». أما ورقة الباحث الفلسطيني «الثاني», فكانت حول «التحوّلات المُحتملة في مسارات التسوية والتطبيع, ومسار المقاومة في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي».