جفرا نيوز -
بشار جرار
بعيدا عن إيران وإسرائيل، أعود إلى التوجيهي، فالحديث عنه وله لم ينته بعد. كرست مقالتين وهذه الثالثة هذا الأسبوع لمفترق الطرق الأهم الذي يقف فيه الطلبة وأهلهم الكرام في مسيرة حياتهم الشخصية قبل أن تكون العلمية أو المهنية.
شرفني صديق -بمنزلة الأخ الكبير- باستشارتي فيما يختار لوحيده فلذة كبده، فقد كان الابن بارا إلى حد إحالة القرار بما يدرس إلى والديه. لست أدري ما الذي دفعني وبشكل عفوي إلى القول ما مفاده: قد يقول لك البعض انظر إلى متطلبات سوق العمل، أو إلى ما أحرز فيه الابن أعلى العلامات، لكن نصيحتي هو أن تغمض عينيك أنت ورفيقة الدرب واستذكرا معا متى كان وحيدكما أكثر استمتاعا وأسرع إنجازا أثناء الدراسة خاصة في المرحلة الابتدائية. اغمضا عيونكم واسترجعا تلك الذكريات خلال العطل الصيفية أو العطل الفصلية المدرسية، ماذا كان يفعل في أوقات الفراغ. هناك في ثنايا تلك التفاصيل تتعرفون على الإجابة وتهتدون إلى الصواب أو الاختيار الأكثر دقة، فأصل التميز في الحياة العلمية والعملية هو الشغف إلى حد الولع. وتلك هبة الله لكل فرد، خلقه الله سبحانه فريدا في كل شيء حتى تكتمل معادلة الإعمار لهذه الأرض في تسخير الناس لبعضهم بعضا.
نحمد الله على نعمة الإيمان فهي في بلادنا مازالت الحاضر الأقوى وإن غابت أو تم تغييبها لا قدّر الله بفعل بعض التأثيرات السلبية داخلية كانت أم خارجية. نؤمن أن الله هو راعينا وأن نعم الحياة الدنيا ونقمها ما هي إلا خير على خير لمن صبر وحمد وأثنى وشكر. نحن كما في تراثنا الروحي مسلمين ومسيحيين عيال الله وقد استخلفنا في الأرض لإعمارها وفلاحتها والعيش بأمن وأمان وكرامة لجني ثمار ما بذلنا من جهد.
ولعل من أجمل الصور التي تحاكي الوجدان قبل العقل -ونحن بفخر شعب عاطفي بالمعنى الإيجابي للكلمة- صورة تلك الكرمة التي لطالما تفاخرنا اعتزازا بأنها متوارثة كابر عن كابر، كروم الجدود أهل الجود.
لا تثمر كرمة إن انقطع فرعها عن أصلها، فأول النصائح هي إدامة القرب، الأقرب فالأقرب، إلا إن استعصى توفر البديل. القضية أكبر من مجرد اختيار الاختصاص المناسب بعد التوجيهي، فقد تم عمليا التحضير له عند اختيار التخصص بين علمي أو أدبي أو تجاري أو مهني وإلى آخر الاختصاصات المطروحة، الاختيار الأجدر بالتروي عند صنع القرار واتخاذه -وتلك عمليتان منفصلتان لكنها في الأصل عملية واحدة متتابعة، لا بد من حسن اختيار -في حال توفر الإمكانات المالية دون تكلف وبيع أراضي واقتراض بفوائد عالية من البنوك أو الاستلاف من الناس- لا بد من حسن اختيار الإطار الأكاديمي، جامعة أو كلي ة-مجتمع، أو معهد. وكذلك الاختيار إن كان ذلك في مكان السكن أم في مدينة أردنية أخرى أو خارج المملكة، في الوطن العربي، أم في بلاد وراء البحور والمحيطات.
من ألف باء وأولويات القرار الحرص على إدراك المخاطر، ومن ثم حسن تفاديها -صفريا إن أمكن- أو إدارتها. والسؤال في هذا العالم بالغ الخطورة، هل أجرينا اللازم أسريا لتحصين فلذات الأكباد من المخاطر التي قد تستهدف الطلبة حتى في الحرم الجامعي والأندية والصالات الرياضية. لن أخوض في ذلك في هذا المقام، فالدراسات ومن قبلها الإحصاءات توجع القلب وتدمي الفؤاد حتى في أكثر الجامعات عراقة وتميزا علميا في العالم ومنها هنا في بلاد العم سام. وعليه، قد يكون من الأسلم اقتصار خيارات الدراسة في الخارج على الدراسات العليا سواء كانت بتمويل خاص أو حكومي. وفي ذلك منفعة أخرى وهي حسن الاختيار بناء على احتياجات السوق أو الوظيفة (المهنة)، الاحتياجات لا الرغبات أو الأماني.
كرمتنا أصيلة مباركة ولا خوف على ثمارنا ما دامت تديم الاتصال بالقرمية..