جفرا نيوز -
لا تخفي أوساط سياسية أردنية تذمرها من تأخر حل مجلس النواب الحالي، معتبرة أن التأخير الحاصل يضر بمبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين، خصوصا وأن هناك العديد من النواب الحاليين سيترشحون للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في العاشر من سبتمبر المقبل.
ويرتبط حل مجلس النواب بصدور إرادة ملكية في الغرض، وكانت برزت تكهنات عدة عن حل المجلس قبل الخامس عشر من يوليو الجاري وهو ما لم يحصل.
وتقول الأوساط إن عدم حل مجلس النواب حتى الآن يوفر للمترشحين من النواب الحاليين إمكانية التحرك بأريحية بفضل الحصانة التي يتمتعون بها، كما أن وجودهم في المنصب يمنحهم الكثير من الامتيازات الاجتماعية، وهذا يخل بمبدأ الإنصاف بالنسبة لباقي المترشحين.
وتشكل الانتخابات التشريعية المقبلة في الأردن أهمية خاصة لكونها تأتي في أعقاب عملية تحديث سياسي طالت قانوني الأحزاب والانتخابات، وأفسحت العملية المجال لحضور أكبر للأحزاب في البرلمان المقبل، حيث خصص لها 41 مقعدا إضافة إلى ما يمكن حصده عبر الدفع بمستقلين موالين.
وقد التحق العديد من النواب الحاليين بالماكينة الحزبية، وكشفت تسريبات أن عددا من النواب تصدروا القائمة الإسمية لبعض الأحزاب المشاركة في الاستحقاق.
وإلى جانب ما يخلفه التأخير الحاصل في حل مجلس النواب التاسع عشر من تأثير على حظوظ المترشحين فقد سلط مدير مركز الحياة راصد عامر بني عامر مؤخرا الضوء على تأثيرات جانبية أخرى لهذا التأخير، مشيرا إلى أن عدم حلّ مجلس النواب حتى اللحظة أعاق كثيراً عملية تشكيل الكتل الانتخابية وأبعد الكثير من المواطنين عن الاندماج في العملية الانتخابية.
ولم تعلن معظم الأحزاب الأردنية حتى اللحظة عن قائماتها الكاملة المشاركة في الانتخابات واكتفى الكثير منها بطرح جزئي، وسط حديث عن خلافات، وحضور مقلق للمال في عملية هندسة القائمات.
وذكرت تقارير أردنية أن أكثر من خمسة وعشرين حزبًا ما زالت تشاور نفسها، وقد تكون هناك اجتماعات ولقاءات وحوارات بين البعض منها بشأن القائمات.
وأوضح مدير مركز الحياة راصد عامر بني عامر، أن راغبي الترشح يبتعدون اليوم عن التكتل مع النواب الحاليين؛ أما لنظرتهم أنهم أقوياء ويصعب التقدم عليهم في القائمة، أو لضعفهم وتراجع شعبيتهم أمام قواعدهم.
وأكد بني عامر أن الأفضل للعملية الانتخابية حل مجلس النواب وألا يبقى النواب نوابا.
من جهته قال عضو مجلس النواب عمر العياصرة إن حل مجلس النواب سيكون خلال أيام معدودات.
ورجح العياصرة استمرار حكومة بشر الخصاونة بعد حل المجلس.
وعلل العياصرة امكانية بقاء الحكومة الحالية إلى أنها قادرة على الابتعاد قدر المستطاع عن الشعبوية، إضافة إلى إنجازها بعض الملفات التي كانت حبيسة الأدراج من قبل حكومات سابقة بالتواطؤ مع مجالس نيابية سابقة.
ويقول مراقبون إنه من الناحية الدستورية ليس هناك إشكال في تأخر حل المجلس النيابي حتى الآن، معتبرين أن الأمر لن يطول، لكن ما يثير القلق أكثر هو الحضور الطاغي للمال في تشكيل القائمات الانتخابية، وهذا ما قد يضر بعملية التحديث السياسي التي من بين أهدافها الأساسية بناء حياة برلمانية سليمة.
وقال الوزير الأسبق والفقيه الدستوري نوفان العجارمة، إنه طالع في الأيام الماضية ما نشر حول قيام بعض الأحزاب باعتماد المال كأساس لترتيب الأسماء في القوائم الانتخابية الحزبية، وإن صح ما نشر، فإن هذه الممارسة جريمة فساد يعاقب عليها القانون، وتشكل تزويراً لإرادة الناخبين، عدا عن الأبعاد السياسية الكارثية لهذه الممارسة والتي من شأنها أن تجهض عملية الإصلاح السياسي وتؤدها في مهدها.
وأوضح العجارمة في مقال له أن تزوير إرادة الناخبين هو سياق طويل ومتداخل، يتضمن مجموعة من الوسائل غير المشروعة تبدأ من تشكل القوائم وتقديم طلبات الترشح وانتهاءً بإعلان النتائج، فالنظام الانتخابي – وإن كان جيداً – يفرز أشخاصاً يفوزون بالانتخابات، ليس لأنهم الأكثر حضوراً أو شعبية، بل لأن لديهم الوسائل المالية للتحكم في الماكنة الانتخابية، وقد فتحت هذه الماكنة الباب على مصراعيه لما يسمى بالرشوة الانتخابية، والتي تتمثل بشراء المقعد الانتخابي من خلال فرض أصحاب المال أنفسهم في الدخول في القائمة الحزبية والحصول على ترتيب متقدم فيها لضمان الفوز والحصول على المقعد النيابي، لاسيما القوائم التي تؤلف بناءً على تحالفات صورية أو مصطنعة لضمان فوز بعض أعضائها وحسم نتائج الانتخابات قبل إجرائها، الأمر الذي يفرغ عملية الانتخاب من مضمونها كوسيلة ديمقراطية لإسناد السلطة، وتولي المناصب العامة.
وشدد الوزير الأسبق على أن شراء المقاعد في القائمة الحزبية يشكل رشوة بالمعنى القانوني، وهذا الفعل مجرم بموجب الاتفاقية الدولية، وكذلك كما جرمت المادة (23) من قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم (13) لسنة 2016 جرائم الفساد غير المحددة لها بعقوبة معينة بعقوبة قد تصل إلى (3) سنوات سجن، كما هو الحال، في جرائم الفساد الواردة في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة حيث نصت تلك المادة على: "دون الإخلال بأي عقوبة أشد ورد النص عليها في أي تشريع آخر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن أربعة أشهر أو بغرامة لا تقل عن خمسمئة دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من ارتكب أياً من الأفعال والتصرفات المنصوص عليها في المادة (16) من هذا القانون وفي حال التكرار يضاف للعقوبة نصفها.”
ولفت إلى أن النمو الكبير لرؤوس الأموال الخاصة، وتزايد جماعات المصالح، وتنوع الطرق التي تستخدمها في التأثير في العملية الانتخابية من أجل تحقيق مصالحها، ينجم عنه زيادة تكاليف العملية الانتخابية، وهذا بدوره يؤدي إلى عزوف العديد من أصحاب الكفاءات عن الترشيح، والقضاء على تكافؤ الفرص بين المرشحين، لمجرد كونهم غير قادرين على تحمل مثل هذه النفقات، وهذا لا يشجع المواطن على الاقتراع والاهتمام بالشأن العام وبالتالي الانكفاء على الذات، وخصوصاً في ظل أوضاع معيشية صعبة، وانعدام الوعي لدى عامة الناس عن أهمية الانتخابات، ولأهمية دور الناخب في اختيار من ينوب عنه في ممارسة السلطة، وهي كلها عوامل تشجع شراء الأصوات وتسهل الرشوة الانتخابية.
وقال العجارمة إن المناعة ضد الرشوة الانتخابية لا يحصنها إلا الإنفاذ العادل والصارم للقانون، إضافةً إلى زيادة الوعي السياسي لدى جمهور الناخبين. وقد أثبتت الممارسات العملية للقواعد الديمقراطية أن وجود ثقافة سياسية واعية لدى جمهور الناخبين يعد أفضل ضمانة لنجاح العملية الانتخابية، ولإجهاض أية محاولات لجعل المال هو سيد الموقف.
العرب