جفرا نيوز -
د. دانييلا القرعان
وضعت الهيئة المستقلة للانتخاب في الأردن حدًا للتكهنات السياسية حول احتمال تأجيل الانتخابات البرلمانية القادمة بإعلانها موعد إجرائها المقرر في العاشر من سبتمبر/أيلول المقبل، وانشغلت الصالونات السياسية في الأردن خلال الفترة السابقة بالإجابة عن السؤال المتعلق بموعد الانتخابات النيابية نتيجة تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والظروف الإقليمية التي تعيشها المنطقة. لكن جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم وفي مرسوم ملكي، أمر بإجراء الانتخابات لمجلس النواب وفق أحكام القانون، وأكّد جلالته في لقائه برئيس وأعضاء مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب، على ضرورة بذل الجهود من مجلس المفوضين وكوادر الهيئة لإنجاح العملية الانتخابية والعمل لمنع أي تجاوزات بكل حزم.
تُجرى الانتخابات النيابية المقبلة وفق قانونٍ انتخابي جديد، من خلال رفع عدد أعضاء مجلس النواب من 130 إلى 138، خصص منها 41 مقعدًا للأحزاب، ومن الملاحظ أن البرلمان القادم سيضم لأول مرة حصة لا تقل عن ثلث عدد الأعضاء لقوائم حزبية مباشرة. التحديث السياسي يعتمد بالدرجة الأولى على مدى الاهتمام بالشباب والمرأة ، والذي يعتبر تنفيذًا لرؤية جلالة الملك والدولة الأردنية، وفقًا لقانون الانتخاب لمجلس النواب رقم (4) لسنة 2022، وعند تشكيل القوائم الحزبية، فإنه يشترط وجود امرأة واحدة على الأقل ضمن المترشحين الثلاثة الأوائل وكذلك ضمن المترشحين الثلاثة التالين، بالإضافة الى وجود شاب أو شابة يقل عمره عن (35) سنة ضمن أول خمسة مترشحين، والهيئة المستقلة للانتخاب عملت على إنشاء وحدة لتمكين المرأة تحت شعار " تمكين وتساوي الفرص "، وأن الهيئة تعمل على مراقبة أي محاولة للعنف الانتخابي ضد المرأة أو التعدي على المرشحات والعاملات في الانتخابات، وكذلك ضرورة الالتزام بتمكين المرأة، من خلال توفير منصة للطالبات للتعبير عن أرائهن ورفع مستوى وعيهن وتحفيزهن على المشاركة السياسية، وتعزيز دورهن في كافة المجالات، وكذلك أهمية تمكين النساء المشاركات في الانتخابات واكسابهن المهارات اللازمة للانخراط في الحياة السياسية، وتطوير البرامج التنموية التي تخدم المصلحة العامة، وخلق جيل من النساء أكثر وعيًا وإدراكًا داخل مجتمعهن بما يتماشى مع عملية التحديث السياسي. ولا ننسى فكرة انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات التي كان لها الأثر الكبير في تعزيز مفهوم الديمقراطية والمشاركة في العملية السياسية، والدور الذي تلعبه الهيئة المستقلة للانتخاب في هذا المجال، من خلال إعداد طلبة لمرحلة ما بعد التخرج، والانخراط في الحياة العامة بكافة المجالات، ووجود مجالس الطلبة في الجامعات ما هو الا تدريب عملي على العمل السياسي والعمل العام. إن مجلس النواب المقبل سيكون لأول مرة في تاريخ الدولة الأردنية قائم على كتل برامجية حزبية، بحيث سيكون 30 بالمئة من مقاعد المجلس للأحزاب ترتفع بالمجلس الذي يليه لتصبح 50 بالمئة وترتفع لاحقًا لتصبح 65 بالمئة بالحد الأدنى، ونلاحظ أن عدد المنتسبين للأحزاب وصل إلى 92494 بحسب إحصاءات الهيئة المستقلة للانتخاب يشكلون نحو 1.8 بالمئة من أعداد الناخبين، وهذه النسبة جيدة مقارنة بدول لديها تاريخ ديموقراطي طويل.
وتبين لنا أن أعلى نسبة من المنتسبين إلى الأحزاب الذين يحق لهم الاقتراع كانت في المفرق بنسبة 6 بالمئة من الناخبين، فيما كانت العاصمة أقل محافظات المملكة بنسبة 1.39 بالمئة.
إن قانون الأحزاب أنهى فكرة حزب الشخص الواحد من خلال النص على ديمقراطية الأحزاب، وإنه يحق للمواطنين تشكيل أحزابهم " فنحن لسنا دولة الحزب الواحد"، ونؤكد أن حرية التعبير مصانة ولن يكون هناك أي تعسف في استخدام أي نص للحد من الحرية في إطار القانون. ونلاحظ ومما يدل على تعطش الشعب الاردني للإنتخابات وألتزام المرشحين للانتخابات، أنه لم يعلن حتى الآن عن أي قائمة استخدمت "المال الأسود"، بالمقابل نركز على أن قانون الانتخاب غلظ العقوبات على الرشوة الانتخابية أو المال الأسود تصل إلى حرمان المرشح حتى في حال وصوله للمقعد ومنعه من الترشح لدورات لاحقة.
إن استخدام "المال الأسود" في الانتخابات لا يرتقي إلى مستوى الظاهرة في الأردن، وأن هناك محاولات لتشويه سمعة مشروع التحديث السياسي الذي سيقود الأردن الى مئويته الثانية بامتياز ومزيد من التطور في شتى المجالات، وقانون الانتخاب منح ولأول مرة موظفي الهيئة المستقلة للانتخاب، صفة الضابطة العدلية ما سينعكس إيجابيًا على سير العملية الانتخابية.
إن الشباب والمرأة حظيا برعاية ملكية كبيرة من خلال تخفيض سن الترشح إلى 25 عامًا، واشتراط أن يكون من ضمن أول 5 مرشحين في القائمة الحزبية شابًا عمره بين 25 و 35 عامًا، ورفع عدد مقاعد "كوتا" المرأة في الدوائر المحلية إلى 18 مقعدًا، وأن يكون من ضمن أول 3 مرشحين في القائمة الحزبية إمرأة.
الوزارات المعنية بالانتخابات تتعاون مع الجامعات للتوعية، بقانون الانتخاب وشرحه بشكل مبسط، إذ عُقدت سابقًا لقاءات مع مدرسي التربية الوطنية في إقليمي والوسط والجنوب، وستعقد لقاءات في إقليم الشمال في هذا الشأن.
ولا ننسى الدور الكبير للحكومة الأردنية وامتثالا للتوجيه الملكي السامي ستدعم وتسند جهود الهيئة المستقلة للانتخاب لإجراء الانتخابات النيابية في 10 أيلول المقبل، وأن هذه الانتخابات ستكون أولى مراحل مشروع التحديث السياسي الذي بدأ من خلال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، التي وضعت مسودة مشروعي قانوني الانتخاب والأحزاب السياسية اللذين أقرهما مجلس الأمة. وسيشهد الأردن غيابًا للمكونات الاجتماعية المحافظة والتقليدية، ومراكز الثقل التي كانت تؤثر في الانتخابات، عن واجهة البرلمان والسلطة التشريعية في المرحلة المقبلة، وهذا ما يميز هذه الانتخابات عن غيرها من الانتخابات السابقة. في المقابل أظهرت الدراسات أن الأحزاب السياسية تواجه تحديات خلال الفترة الحالية، ومن أبرز هذه التحديات ضعف القدرة المالية، حيث عبّر عن ذلك 63% من الأحزاب، و %9 من الأحزاب قالت إن ضعف القبول المجتمعي يعدّ تحديًا حقيقيًا،
و %28 كان لديها تحديات مختلفة، من ضمنها ضعف توفر الأجواء الملائمة للعمل الحزبي، والتباين في التعامل مع الأحزاب من قبل الدولة، وضعف الثقافة الحزبية، وتباين التعامل الإعلامي مع الأحزاب، وترى 26% من الأحزاب أن البيئة السياسية في الأردن تسمح بالمنافسة الحرة والنزيهة بشكل كبير، وفي حين ترى 34% أنها تسمح بشكل متوسط، ترى 26% أنها تسمح بشكل محدود، و14% ترى أنها لا تسمح على الإطلاق. إن الانتخابات النيابية المقبلة ستكون مختلفة تمامًا في آلياتها ومخرجاتها عن سابقاتها، وتبين لنا أن 10 أحزاب أصبحت جاهزة للانتخابات النيابية القادمة، ولديها مرشحون وهياكل تنظيمية ومقرات واستعداد تام للانتخابات، وهذه الأحزاب لديها لديها أكثر من 10 آلاف عضو".
وتختلف الاتجاهات السياسية في الوقت الراهن عن السابق، من خلال ارتفاع التمثيل النسائي والشبابي في مجلس النواب القادم، وفق ما تضمنه قانون الانتخاب الجديد.
إن الإطار القانوني والنظري لن يؤدي إلى نتائج فاعلة في الانتخابات إلا إذا تم تنفيذه وفق قواعد تراعي النزاهة والشفافية والحرية. وتنص الفقرة الأولى من المادة 68 في الدستور على أن "مدة مجلس النواب أربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ إعلان نتائج الانتخاب العام في الجريدة الرسمية، وللملك أن يمدد مدة المجلس بإرادة ملكية إلى مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على سنتين". وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، أصدر جلالة الملك ما تعرف بـ"الأوراق النقاشية" وعددها سبع، وتمثل رؤيته لتحقيق الإصلاح الشامل، واحتوت الثانية والثالثة والرابعة والخامسة منها على خارطة واضحة لخطوات التحوّل نحو حكومة برلمانية.
وفي إطار التعديلات المتعلقة بقانوني الانتخاب والأحزاب، خصصت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية 41 مقعدًا برلمانيًا من أصل 138 للأحزاب في الانتخابات المقبلة 2024، ليرتفع العدد المخصص للأحزاب تدريجيا إلى ما يعادل 65% من إجمالي المقاعد، بما يتيح في النهاية تشكيل حكومة برلمانية.