جزء حيوي من تلك «الانطباعات المهمة» التي تؤسسها احتفالات المملكة الأردنية الهاشمية الأحد بثلاثة مناسبات وطنية ودستورية معاً وفي الوقت نفسه، هو ذلك الذي يؤسس حصراً للانطباع بأن الأمور العامة في البلاد أمنياً واستراتيجياً ودستورياً، لا تزال وستبقى على «سكتها» المستقرة بالرغم من كل حالة «الانفعال والصدام» التي تجتاح أوصال المنطقة.
ويحتاج المواطن الأردني عموماً لكل «دلالات الصمود والاستقرار والسلم والانضباط» في توقيت حساس إقليمياً.
بينما تحتاج الحكومة والسلطات، في المقابل، لكل ما يبرهن على «صلابة الجبهة الداخلية» والأهم على أن الشؤون والشجون العامة «متماسكة» وأيضاً «ممسوكة» إن تطلّب الأمر حتى بالمعنى الدستوري والسياسي والقانوني والأمني.
يوماً بعد آخر وفي ظل تدحرج «العدوان الهمجي» على أهل قطاع غزة وتداعياته الإقليمية، يدرك الأردنيون «أهمية ما لديهم» من أوراق المنعة الداخلية والمنجزات، بما في ذلك تلك التي يسعى يمين إسرائيل للعبث بها ومعها، الأمر الذي لمّح له رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي قبل أيام في مقابلة منشورة باللغة الإنجليزية لمجلة «السياسة والمجتمع» عندما تحدث بإسهاب ليس عن «تراجع مخاطر التهجير» بل عن «دول جوار فلسطين المنهارة».
«تقاطع محسوب»
ثمة «تقاطع محسوب» رغم «كثرة تداعيات الأسئلة» والإحساس الشعبي العام بـ «المخاطر» بين رغبة المواطن البسيط في التوثق من «صلابة الدولة والمؤسسات» وسط الإقليم الملتهب ورغبة الدولة نفسها في التأسيس لقناعة بأن «مجمل الأمور تسير على الجدول» الذي يضمن بالحد الأدنى «عزل البلاد» عن أي تأثيرات سلبية.
لذلك حصراً على الأرجح، وجدت الأطراف كلها محلياً في «احتفالات اليوبيل» من مساء الجمعة إلى مساء الأحد وقبل عطلة عيد الأضحى الوشيكة «نقطة تلاق»؛ لأن الأردني البسيط يصر على حاجته الملحة لـ«دولة قوية» والمؤسسات بدورها تحتاج لطمأنة الرأي العام.
وفقاً لمثل ذلك التأسيس على الأرجح، تقصدت «برمجية الاحتفالات» الممتدة من 25 أيار حيث ذكرى عيد الاستقلال، إلى يوم 9 حزيران حيث الاحتفال الوطني الضخم، بـ «3 مناسبات» مهمة؛ أن تعيد إظهار تماسك الأردنيين في لحظة إقليمية حرجة مفتوحة الاحتمالات خصوصاً في الجزء الغربي من نهر الأردن حيث فلسطين المحتلة، والتطورات الحادة في لبنان والعراق وسوريا وحتى إيران.
في ظل توقيت حساس إقليمياً وحاجة الحكومة والسلطات لصلابة الجبهة الداخلية
التقط حتى الإسلاميون المعارضون جوهر الرسالة في تلك البرمجية عندما أقاموا احتفالاً بمناسبة الاستقلال، قال فيه المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد عضايلة، مقولته المثيرة: «اليد التي تمتد لأمن الأردن سنقطعها».
وقبل ذلك، التقطت مكونات اجتماعية متزاحمة نفس الرسائل عندما بدأت الاحتفالات بمناسبة «اليوبيل الفضي» لجلوس الملك عبد الله بن الحسين في المحافظات والأطراف قبل أن تقوم الحكومة الحالية بواجبها بالمقابل، وتدشن الاحتفال المركزي في العاصمة عمان بعد عصر الأحد، حيث تجمع ضخم لكبار المسؤولين وخطاب ملكي «تطميني» وإشارات «سيادية عسكرية وأمنية» تدل على استمرار المعادلة التي ألفها ويؤمن بها الأردنيون بدلالة «عناصر الثبات والقوة» وأوراق «الديمومة للاستقرار» خلافاً للملفات «الممسوكة جيداً» بالرغم من تحديات الإقليم والاقتصاد.
وعليه، يمكن حقاً قراءة احتفالات 9 حزيران باليوبيل الملكي وعيد الجيش والثورة العربية وفق إطار رسائل «أبعد» بالتأكيد من مجرد الرغبة في تنظيم احتفالات، حيث الصخب على أشده في الإقليم، ومجازر ترتكب في غزة، وأوضاع «مقلقة» للكتف الأردنية في الضفة الغربية. كل الأطراف احتاجت عملياً لتلك «الجرعة» التي تدل عليها «احتفالات الأحد» وتحديداً تلك الأطراف التي «لا تختلف على الدولة أو المؤسسة» حتى عندما «تختلف مع أي منهما» عملياً، أريد لاحتفالات 9 حزيران أن تبرمج على هذا الأساس بالرغم من أن أذرع الإعلام الرسمي «لم تلتقط» المطلوب بعد بالكفاءة المطلوبة.
سؤال مهم
هل تنجح «الجرعة الاحتفالية» في تحقيق هدفها الشرعي المرسوم الذي يمثل منطقة التقاطع بين الدولة والشعب؟ سؤال مهم يمكن إجراء الإجابة المباشرة عليه مرحلياً، لأن حالة «المبايعة» العفوية من الناس لتلك الاحتفالات تتطلب في الواقع ـ في رأي الخبير الدكتور أنور خفش وغيره من المشتبكين مع التفاصيل ـ التقاط «المؤسسات» قبل المواطنين لما هو أعمق وأبعد من طقسية الاحتفال بمناسبات وطنية وملكية عزيزة.
هنا تبرز سياسياً أهمية «الاستجابة» على المستوى الرسمي قبل الشعبي، لأن ما يحتفل به الأردنيون رغم الألم والدماء في فلسطين المحتلة والأزمة الاقتصادية المحلية يحتاج إلى «روافع بيروقراطية ودستورية» مهنية تحافظ عليه على أساس أن معادلة «الممسوك والمتماسك» التي طرحها يوماً رجل أعمال بارز قبل سنوات وتدل عليها احتفالات الأحد، تتطلب «ارتقاء الحكومات والنخب والمؤسسات» إلى مستوى «الرؤية» نفسها ومبايعة الجمهور لها.
وعليه، فإن الاحتفالات «رسالة وبرمجية « مهمة ومقصودة ويصفق لها الأردني عموماً.
لكن الرسالة الأهم هي للمؤسسات ولأوساط القرار والأكثر إلحاحاً لـ «الطاقم الذي يدير الأمور» والذي ينبغي له أن يتقدم بأداء يليق بالمرجعية وبالشعب الذي أظهر إحساسا رفيعاً بالمسؤولية منذ اندلعت أحداث فلسطين الدموية.
وذلك حصراً ما يبرز «عناصر إضافية» في احتفالات اليوبيل يتصور الخبراء أنها مهمة، فتلك احتفالات يراد لها أن تشكل «فاصلاً» كبيراً بين مرحلتين، وما صلح في «ربع القرن الماضي» من معايير في اختيار المسؤولين والرموز والبرامج قد لا يصلح للمرحلة المقبلة.
وللتذكير فقط، احتفالات التاسع من حزيران تسبق «انتخابات نيابية» مهمة في 10 أيلول المقبل، وتلحق بوثائق «التحديث السياسي والاقتصادي لكل منظومات الدولة» وتنظم فيما مؤسسة «ولاية العهد» التي يرتاح لها الأردنيون مستقرة وفي الاشتباك.
تلك وجبة احتفالات تعقب الفوضى التي نثرها يمين إسرائيل في عمق المنطقة وشعب الأردن والحسابات، ومن المهم الانتباه أيضاً؛ لأنها تسبق قرارات وتغييرات مهمة منتظرة على صعيد حل البرلمان وبقاء أو رحيل الحكومة الحالية وكل «مستلزمات» انطلاق التحديث. لذلك كله، يمكن القول في الخلاصة إن «احتفالات اليوبيل» محطة ورسالة سياسية بامتياز ولها مقتضياتها وأبعادها وتداعياتها.