جفرا نيوز -
خلال منتدى الحوار الوطني "تواصل 2024"، والذي انطلقت فعالياته السبت، أُتيحت الفرصة مرّة أخرى أمام رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة للالتقاء بجمع من الشباب الأردني، في اطلالة كان يُؤمّل أن تحمل في ثناياها مبادرة ما شيئا مختلفا وجديدا في ظلّ الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها المنطقة ويمرّ بها الوطن.
صحيح أن اللقاء لم يكن حواريا بشكل مباشر مع الشباب، وأن الرئيس استغلّ الأسئلة القليلة التي طرحها المحاور من أجل ايصال بعض الرسائل، إلا أن تلك الرسائل كانت في مجملها تكرارا للأفكار والعبارات ذاتها التي قال إنها صارت محلّ تندّر في كثير من الأوقات، من قبيل "الابتعاد عن السلبية والسوداوية والاحباط"، فلم يزد عليها إلا توجيه الانتقاد للمدير العام السابق لمؤسسة الضمان الاجتماعي، حازم الرحاحلة، على خلفية كتابة الأخير مقال رأي حذّر فيه من المبالغة في الاحتفاء بتصنيف "موديز" ودعا فيه للالتفات لإجراء اصلاحات اقتصادية عميقة يلمسها المواطنون.
الخصاونة طرح في لقائه العديد من النقاط التي رأى أنها تؤشر على نجاح حكومته في تحمّل مسؤولياتها، متجاهلا واقع ان هذه المؤشرات هذه الارقام لم تساهم قيد انملة في تحسين الوضع المعيشي للمواطن الأردني الذي يرزح تحت وطأة سياسات ونهج حكومي جنائي أدخلته قسرا في دائرة العوز والحاجة ، وهذا ما يفسر السلبية والإحباط الذي يشكو منه الرئيس؛ المواطن يريد عدالة ويريد وظيفة ويريد خدمة تعليمية لائقة ويريد خدمة صحية لائقة ويريد خدمة نقل لائقة ويريد حكومة تشعر بهمومه وتعالج مشكلاته لا حكومة تزيد عنته وتعمّق ازماته .
وبينما تباهى الرئيس بارتفاع الدخل السياحي للمملكة في عام 2023 عنه في عام 2019، تجاهل الخصاونة أن الدين العام في عهد حكومته ارتفع بنحو (15) مليار دينار أردني، فقفز من (26) مليار إلى (41) مليار، وربما يصل إلى (45) مليار دينار في نهاية العام، كما تجاهل أيضا الحديث عن فوائد الدين العام التي أصبحت في عهده تأكل الحصة الاكبر من الموازنة العامة نتيجة السياسات الاقتصادية المتبعة، ونتيجة برامج صندوق النقد الدولي التي بدا الخصاونة متفاخرا بالتجاوب الكامل مع اشتراطاتها .وهنا نسأل الرئيس : ما دامت الحكومة تحقق منجزات في الملف الاقتصادي لماذا تتضاعف المديونية الداخلية والخارجية بهذا الحجم غير المسبوق ؟! لماذا لم تراجع الحكومة موازناتها ومعدلات النفقات الجارية ، ماذا عن التزاماتها بتخفيض النفقات وترشيدها ؟
وفي الوقت الذي تغنّى فيه الخصاونة بانخفاض نسبة البطالة في الربع الأول من العام الحالي إلى (21.4%) بعدما كانت (24.1%) في عام 2021، تجاهل الرئيس أن نسبة البطالة في عام 2019 الذي قال إنه العام المعياري كانت عند (19.1%)، وأن نسبة البطالة في عام 2018 الذي كان أقلّ الأعوام من ناحية عدد فرص العمل التي ولّدها الاقتصاد الوطني عند (18.6%).
الخصاونة يريد من الشباب غير المحظيين -الذين لا يملكون واسطة أو لا يحالفهم "الحظ" لا في توظيف ولا ترقية ولا تعليم ولا صحة ولا منحة ولا قرض جامعي- أن يكونوا متفائلين حالمين مؤمنين بالمستقبل الواعد ، وأن يتغنّوا بانجازات حكومته والحكومات المتعاقبة، يريد من نحو (450) ألف شابّ لا يجدون فرصة عمل -حسب تقديرات اقتصاديين- وبالتالي لا يملكون مصدر دخل ، أن يؤمنوا بانجازات حكومة ألغت ديوان الخدمة المدنية الذي كان يشكّل أحد ضمانات عدالة التوظيف في القطاع العام، يريد من نحو (34) ألف شابّ حُرموا من المنح والقروض الجامعية أن يكونوا متفائلين!ويريد ان يقنع هؤلاء الشباب ان الحكومة تراهن عليهم ومستعدة للاستثمار بهم وضمان تحصيلهم العلمي ورفع سويتهم المعرفية والثقافية !!!!
الغريب، أن الخصاونة ألقى مسؤولية الوضع الاقتصادي السيء الذي تعانيه المملكة ويعانيه الأردنيون على الأزمات العالمية والعوامل الخارجية (الأزمة المالية عام 2008، ثم الربيع العربي وأزمات اللجوء، وبعدها جائحة كورونا، والحرب الروسية الاوكرانية، وأخيرا العدوان على غزة)، دون أن يأتي على ذكر مسؤولية الحكومات والسياسات الاقتصادية للحكومات الأردنية المتعاقبة، وكأن جزءا كبيرا من معاناتنا لم يكن بسبب هذه الحكومات وإدارتها وسياساتها وقراراتها؟!!
وبينما أثنى الخصاونة على القطاع الخاصّ ودوره في جائحة كورونا ودوره في النهوض بالاقتصاد الوطني وتشغيل الشباب، تجاهل الرئيس الممارسات والسياسات الاقتصادية الحكومية التي أنهكت القطاع الخاص وحدّت من قدراته على حلّ مشاكلنا الاقتصادية، ومن ذلك الضرائب والرسوم المرتفعة المفروضة على القطاع الخاص، وقد كان الأجدر بالحكومة وفي سياق نجاحها في محاربة التهرب والتجنّب الضريبي أن تعيد النظر بالوعاء الضريبي ونسب الضريبة المفروضة على القطاعات المختلفة، عليها ان تقدم حوافز لهم تسمح بتأمين فرص عمل وتوظيف اعداد اكبر من الشباب الاردني العاطل عن العمل .
صحيح أن هذه الحكومة وسابقتها أعلنت أنها لم تقم بفرض أي ضريبة جديدة منذ عام 2019، لكن هذه الحكومة تركت الأردنيين في مواجهة مع ارتفاع أسعار السلع بشكل انعكس على مقدار ضريبة المبيعات التي يدفعونها، كما تركت الأردنيين في مواجهة خاسرة مع ارتفاع أسعار فوائد القروض، وحافظت على حصّتها من الضريبة المفروضة على المحروقات، وكلّ هذا انعكس على المواطن وبالتالي القطاعات الاقتصادية المختلفة التي تئن اليوم من شحّ السيولة في الأسواق.
من غير المقبول أن تستمرّ الحكومة باتخاذ "التواكل" منهجا لها دون وجود خطط عمل واضحة وناجعة يلمس المواطن أثرها في حياته، ومن غير المقبول أن يظلّ المسؤول يطلّ على الناس مستعرضا أرقاما ومؤشرات لا أثر لها باعترافه ، ومن غير المقبول أن يظلّ اعتماد الحكومات قائما على جيب المواطن، إما بطريقة مباشرة أو من خلال تحويشة عمره في الضمان الاجتماعي الذي تزحف عليه الحكومات كلّما واجهت مشكلة حتى وصل الاقتراض منه الى اكثر من (8.9) مليار دينار ، ومن ذلك ما يجري الحديث عنه اليوم من خطط لإحالة كلّ من بلغت خدمته (25) عاما إلى التقاعد، بدلا من البحث عن جذور المشكلة الحقيقية للاقتصاد والعمل على حلّها.
جو 24