النسخة الكاملة

ذئابٌ نائمة وأسودٌ حائمة !!

الخميس-2024-05-23 10:24 am
جفرا نيوز -
بقلم محمد داودية 

انتصرت كل مقاومات الشعوب على مدى التاريخ. انتصرت بتراكم النقاط على مدى زمني طويل، بتضحيات وآلام فادحة، ولم تنتصر اية مقاومة في العالم بالضربة القاضية !!

فالمقاومة التي انتصرت -وكل مقاومة ستنتصر- خاضت عشرات ومئات المعارك الصغرى والكبرى، ودفعت أثماناً فادحة، مثلما دفّعت جميع المحتلين أثمانا فادحة !!

شهدت شعوب العالم في العصر الحديث، احتلالات، منها احتلال دول المحور: ألمانيا وايطاليا واليابان، ودول الحلفاء، في الحرب العالمية الثانية، عشرات البلدان في أوروبا وآسيا وافريقيا، تحررت كلها، على امتداد نحو نصف قرن، بأثمان مهولة، بلغت 60 مليون قتيل !!

يتميز الاحتلال الإسرائيلي بأنه احتلال اقتلاعي توسعي استيطاني، ينفّذ منذ ما يزيد على قرن، عشرات المذابح، ويواجه مقاومة متعاظمة ضارية.

والمقاومة، نَفَسٌ طويل وصبر جميل، وهي منظومة هائلة من عناصر الإنهاك والاستنزاف. وهي تتهيأ على عدة هيآت، المقاومة بالسلاح وبالإضراب وبالاعتصام وبالانتفاضة السلمية وبالحجر والمقلاع والدهس والطعن.

فالمقاومة تعالج وتدرب وتدرّس وتموّن وتزود وتعبئ. والمقاومة لها ذئاب نائمة وأسود حائمة.

وكما تكون المقاومة بالسلاح، ،تكون بالثقافة والفن والأدب والشعر والرواية والقصة والمسرح واللوحة والموسيقى والغناء والتمثيل والتطريز والكاريكاتير والسينما والمسلسل وشريط الفيديو!!

وثمة مقاومة المهاتما غاندي، غير العنيفة- الساتيا غراها- فقد رأى المهاتما أن نتائج المقاومة غير العنيفة ليست أقل شأنًا من نتائج استعمال السلاح.

والمقاومة افتداء وتضحيات جسيمة وإيثار ونكران ذات. ونموذجنا هو عطاء البطل الملازم خضر شكري أبو درويش الذي قال «الهدف موقعي» !!

والمقاومة جهد وتحمل.

يروي ارنستو تشي غيفارا في مذكراته أن أعتى المناضلين الكوبيين وأشدهم بأساً، الفنانين، الشعراء، الأطباء، المحامين، أساتذة الجامعات، النقابيين، قادة المظاهرات والشيوعيين، الذين تحملوا سنوات طوالاً في معتقلات الدكتاتور باتيستا، لم يستطيعوا تحمل اسبوعين في سلسلة جبال سييرا مايسترا، التي انطلقت منها الثورة الكوبية، حيث البعوض والعقارب والأفاعي وصعود المرتفعات وهبوط المنحدرات والسير في المخاضات والتربص في الكمين لمدة ساعات طويلة بلا تدخين ولا كوب قهوة، والاختفاء في الأنفاق حتى تمر الدوريات المدججة، والفرار بسرعة لمسافات طويلة تقطع النفس.

وحدثني عدد من الأصدقاء المناضلين الفلسطينيين- الأردنيين، الذين نزحوا سنة 1967 إلى الأردن، أنهم عادوا بموجب اتفاقية أوسلو إلى الضفة الغربية المحتلة، ولكنهم لم يتمكنوا من العيش هناك اكثر من شهر أو شهرين، رغم استطاعتهم المالية، فعادوا إلى الأردن !!