جفرا نيوز -
صعب جدًا قراءة أزمة الخلاف الذي اندلع فجأة بين الحكومة وأحد أكبر أذرع الإعلام الرسمي، والمقصود فضائية «المملكة» حصرًا، خارج سياق السؤال الوطني الأعرض والأوسع بعنوان أزمة السردية، وأيضاً بعنوان عمق انعكاسات ما يجري في الإقليم على جاهزية غياب الرواية الرسمية.
وفي المقابل، من الصعب القول مع غياب القيادات المحترفة في التعبيرات الصحافية والإعلامية المؤسسية إن ملاعبة الحكومة للحبل المشدود الذي تعيشه المنطقة بعد تداعيات أحداث يوم 7 أكتوبر، يمكن أن تصبح منتجة فجأة في ظل الواقع الذي تعيشه أذرع الدولة إعلاميًا.
تختصر الأزمة هنا بين إدارة فضائية المملكة وهيئة الإعلام الحكومية تلك المسافة نحو سؤال الشفافية ودورها، والأهم نحو إشكالية التنسيق والعمل الجماعي.
وقد أعلنت الحكومة نفسها عن أزمتها مع فضائية المملكة التي تمول من الخزينة وتدار عبر مجلس إدارة مستقل وتتفوق في الحضور والمتابعة بين الحين والآخر، والأهم في برامجها المحلية، وكاميراتها المتنقلة تبدو وسيلة إعلام متبنية لجملة نقدية للحكومة.
هيئة الإعلام الحكومية قدمت في سابقة نادرة ملفًا يتبنى شكوى للنيابة العامة بحق إدارة طاقم فضائية المملكة؛ ولم تعلق الفضائية رسميًا على تلك الشكوى، لكن أصل الخلاف الذي لجأت إليه الحكومة للنيابة هو خبر رافق فوضى التكهنات بعد الإعلان مساء السبت الماضي عن حظر الطيران المدني في عمان تمهيدًا لأحداث الليلة اللغز في النشاط الدفاعي في مواجهة الصواريخ الإيرانية وما رافقها من اضطرابات.
اعتراض على عبارة إخبارية
ما تعترض عليه الحكومة هو عبارة إخبارية تبنتها «المملكة» بإعلان حالة طوارئ، وهي مسألة تعني أن حكومة البلاد تتهم بوضوح أحد أكبر أذرع الإعلام في الدولة بنشر أخبار غير صحيحة تؤثر في المجتمع، ما يعكس أزمة صامتة أصلاً بين الفضائية والحكومة لا مجال لسردها الآن، بل ويعكس في الواقع -حسب الخبراء- أزمة أعمق باسم مؤسسات الإعلام الرسمي، خصوصًا في زمن الذروة والاضطراب.
في كل حال، ستتحقق النيابة من مضمون الشكوى، لكن الحكومة شرحت لاحقًا وتحديدًا ظهر أمس الثلاثاء على لسان الناطق باسمها الوزير مهند المبيضين، دون ذكر الفضائية نفسها مباشرة، بأن بعض وسائل الإعلام مشكورة قامت بتصحيح أخطائها ليلة الهجوم الصاروخي الإيراني؛ ما يوحي به كلام الحكومة أن «المملكة» عندما بثت بصورة خاطئة أحد الأنباء عن إعلان حالة طوارئ امتنع فريقها عن معالجة الخطأ.
تلك طبعًا رواية مفترضة لما حصل، لكن الرأي العام وهو يتعامل مع قضايا حساسة جدًا أكثر أهمية بكثير من خلاف داخل مؤسسات الحكومة وأذرعها الإعلامية، من حقه الشعور ببعض الصدمة؛ لأن الخلاف الذي انتهى بين طرفين بيروقراطيين إلى النيابة العامة برز وحصل في ظل أزمة طارئة حتى وإن لم تعلن حالة الطوارئ.
الحكومة في مواجهة فضائية «المملكة»
طبعاً الأخطاء التحريرية والفنية واردة في عمل الفضائيات، وكان يمكن معالجتها إن حصلت على الرغم من أن الإعلامية والبرلمانية الناشطة جداً الدكتورة رولا الحروب، ألمحت في مقال بعنوان «ليس دفاعاً عن المملكة» لأن ما حصل جزء من أزمة الإعلام الوطني، والنبأ الذي أثار الخلاف قد يكون نتج عن مصدر رسمي آخر تحدث للفضائية بعيداً عن الحكومة.
بكل حال، لا تقول قناة «المملكة» ذلك، ولا تقول الحكومة من جهتها بذلك، وإن كان الجو المشحون انسحب على تلك السابقة في تحويل أهم ذراع للإعلام الرسمي إلى النيابة، حتى وصل إلى طرح تساؤلات حرجة عن غرف العمليات الإعلامية وأطقمها وما يجري فيها، خصوصاً إذا كانت استقلالية فضائية المملكة المهنية باعتبارها تلفزيوناً مجتمعياً، تعزف على وتر بعض الحساسيات الحكومية التي لا تريد الإقرار بتقبل النقد والجمل النقدية من داخل مؤسسات الدولة في ظرف حساس.
لولا وجود خلفية أعمق لخلاف قديم بين منهجية القناة وتقييم الحكومة التي تمولها لكان يمكن معالجة خطأ نشر نبأ عن حالة طوارئ بعدة طرق مألوفة بالنسبة للبيروقراط الأردني، وذلك طبعاً لا يعني أن المحطة لم تخطئ.
بكل حال، السابقة والأزمة التي تثيرها تفضح نقاشاً مهنياً حول أداء مؤسسات وأذرع الإعلام الرسمي في زمن السلم والاستقرار، وليس فقط زمن الحرب والمواجهة والحبال المشدودة.
القدس العربي - بتصرف