جفرا نيوز -
جفرا نيوز - ثبّت أحمد أبو مصطفى (40 عاما) غالونين على دراجته الهوائية وخرج من مدرسة إيواء بالمخيم الغربي بخان يونس جنوب قطاع غزة، برفقة جاره مؤمن أبو العراج، لملئهما لأطفالهما، لكن قناصا إسرائيليا أطلق عليهما النار وقتلهما على الفور، وفقا لإبراهيم أبو مصطفى (14 عاما)، نجل أحمد.
يقول إبراهيم الذي يرقد الآن في خيمة تتسلل لها الأمطار في مخيم رفح، إن أباه خرج لتعبئة الماء يوم الأحد (28 يناير الماضي) وبعد أقل من ساعة سمع هو وعائلته إطلاق نار ثم جاء أحد أصدقاء العائلة وأبلغهم باستشهاده هو ورفيقه مؤمن.
وكان صديق العائلة قد حذرهم من التوجه إلى مكان والدهم، لأن القناصة يطلقون النار على كل ما يتحرك.
"ذهبت أنا وأمي وأختي وكانت أمي تحمل راية بيضاء على عصا، وقبل قطعنا للشارع رفعت أمي الراية البيضاء أعلى السور، فأطلق جنود الاحتلال النار على الراية فرجعنا".
وأشار إبراهيم إلى أن والده ورفيقه بقيا ملقيين على الأرض دون إسعاف ولم يستطع أحد الوصول إليهما، "كنا ننظر إليهما ولم نجرؤ على الاقتراب ولم نتصل بالإسعاف، لأن الاتصالات كانت مقطوعة تماما".
وكان أحمد الذي يعمل كهربائيا يعيل عائلة من 7 أطفال أصغرهم نور ابنة ثلاث سنوات ومنهم نجله محمد (10 سنوات) الذي يعاني السرطان.
وكشف إبراهيم أن أباه كان أيضا بصدد زيارة صديقه عبد الله في مستشفى ناصر الذي أصيب في يوم سابق داخل مدرسة "خالدية" التي يأوون إليها خلال محاولتهم رفع الماء إلى السطح.
"لم يكن هناك ماء ومحرك الضخ (يعمل بالغاز) تعطل، حاول أبي وعبد الله تفحصه فأطلق قناص عليهما النار فأصيب عبد الله أبو مصطفى وهربا داخل الصفوف ثم تم نقل عبد الله تسللا من بين الأزقة إلى المستشفى".
وكان أحمد يعبئ الماء لعائلته وبضع عائلات منهم كبار سن بقوا في المدرسة بعد أن أخلتها معظم العائلات، من برميل على طرف الشارع المؤدي إلى المدرسة حيث تركه أصحابه ونزحوا إلى مدينة رفح.
وقال، إن أباه رفض الإخلاء لأن قوات الاحتلال لا تسمح لأحد بالخروج حاملا متاعه، فالجو بارد والخروج مسموح فقط لمن لا يحمل شيئا، وأبي رفض الخروج دون حمل ملابس وأكل وأدوية.
ويعيش قطاع غزة أزمة شح في المياه والوقود والطعام والكهرباء بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق المصاحب لعدوان شرس راح ضحيته حتى الآن أكثر من 27 ألف شهيد، أغلبيتهم نساء وأطفال، وزهاء 67 ألف جريح منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وقد علم إخوة إبراهيم باستشهاد أخيهم، فتوجه أخواه محمد ومحمود من مكان نزوحهم في رفح لدفن أخيهم إبراهيم. وصلا إلى المخيم الغربي ولم تكن قوات الاحتلال قد غادرت وكان إطلاق النار مستمرا بشكل متقطع والشوارع شبه فارغة.
"ونحن نتسلل بين الأزقة، لقد رأيت 3 شهداء على الأرض بينهم كهل يرتدي كوفية، ووصلنا إلى المدرسة قفزا من فوق الأسوار من بيت إلى بيت، ولا نعلم أين يتموضع القناصة، قيل لنا إن متطوعين نقلوا أحمد وزهاء عشرين شهيدا، كانت جثثهم ملقاة في الشارع، بكارات تجرها حمير إلى المستشفى"، قال محمد الذي أشار إلى أن الحصول على الماء الصالح للشرب في بعض مناطق قطاع غزة بات أشبه "بمهمة انتحارية".
توجه محمد ومحمود إلى المستشفى ليجدا أن أخاهما دُفن في مقبرة جماعية هناك، فعادا ونقلا أفراد العائلة ليشاركوهما خيمتهما في رفح.
لم يكن إبراهيم الوحيد الذي قُتل وهو يحاول الحصول على الماء، ففي الخامس والعشرين من يناير الماضي قتلت قوات الاحتلال المواطن حميد نعيم القدرة (30 عاما) في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وهو يحاول الحصول على الماء.
وقال أفراد من عائلة القدرة، إن حميد خرج من بيته في شارع القدرة بحي الأمل وهو يحمل غالون ماء لتعبئته من مستشفى الهلال الأحمر الذي يبعد 200 متر عن بيته، إلا أن قناصا أطلق النار عليه وقتله.
وأواسط نوفمبر الماضي قتلت قوات الاحتلال محمد سعيد الغول وابن عمه ماهر الغول وهما يبحثان عن الماء في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة.
وقال نزار الغول لمراسل "وفا"، نقلا عن شهود عيان، إن ابني عمه كانا يحملان غالونات ويبحثان عن ماء للشرب لهم ولأبناء الحي، وما إن اجتازا ما يُعرف بالشارع "الثاني" أطلقت عليهما دبابة إسرائيلية النار وقتلتهما وبقيا ملقيين في الشارع ليومين كاملين قبل دفنهما في ساحة مستوصف الشيخ رضوان.
وفي الثالث من نوفمبر الماضي، خرج محمود نبيل المصري من مدرسة إيواء في محافظة وسط قطاع غزة بحثا عن ماء يصلح للشرب، إلا أن قوات الاحتلال قتلته قبل أن يعود إلى أطفاله الثلاثة، كما قال أخوه محمد، خلال وداعه لأخيه في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح.
وكان المصري (29 عاما) قد هرب مع عائلته وأقاربه تحت القصف من مدينة بيت حانون شمال غزة، ولجأ إلى مدرسة في محافظة وسط غزة.
ويرى نازحون يعانون نقصا في كل شيء، أن من بقي على قيد الحياة في قطاع غزة يصارع الموت مرات عدة في اليوم الواحد، ويبحث في كل الوسائل والطرق من أجل البقاء.
وفا