جفرا نيوز -
جفرا نيوز - واضح تماماً أن السلطات السياسية الأردنية بكل تعبيراتها، في صدد موسم جديد من دعوات التأسيس لمسافة كبيرة جداً على المستوى الشعبي والنخبوي للعلاقة مع إسرائيل بعد ما أطاح «طوفان الأقصى» الذي يؤسس لمشهد صدامي وعسكري ومؤلم مفتوح.
الأوضح أن صالونات وأوساط السياسيين الأردنيين مفعمة اليوم ومليئة بتلك المبادرات التي تدعو الدولة الأردنية للاستيقاظ وبناء صنف من أصناف الجدار مع الإسرائيلي تحديداً باعتباره وفي سلوكه تجاه أهالي قطاع غزة، ولاحقاً في قصفه للمستشفى الميداني الميداني العسكري وجرح وإصابة سبعة عسكريين أظهر بما لا يدع مجالاً للشك بأنه ليس حريصاً على أي علاقات أو اتصالات مع الأردن.
لذا، لم يعد من الحصافة، في رأي نخبة من السياسيين الوطنيين، الاندفاع مجدداً أو الانجرار وراء الأوهام الأمريكية التي دفعت طوال الوقت في اتجاه علاقات استراتيجية متينة بين الأردن وإسرائيل.
ويوافق السياسي الدكتور ممدوح العبادي، على أن الفرصة متاحة ليس فقط لتأسيس مراجعة، ولكن كما أكد متاحة جداً للتأسيس لحالة انقلاب تتوقع الأسوأ وتستعد لمرحلة صدام آتيه لا ريب فيها مع حكومات اليمين الإسرائيلي، وعنوانها لم يعد سراً على الإطلاق أنه يتمحور ويتمركز حول استهداف الجغرافيا الأردنية بالمعنى السياسي والعسكري، والصدام مع الشعب الأردني وتصفية القضية الفلسطينية.
العبادي يجدد تحذيره من ضرورة العودة لقراءة أدبيات حزب الليكود واليمين الإسرائيلي المصر على اعتبار أن الضفة الشرقية لنهر الأردن هي أيضاً جزء من مشروع إسرائيل الكبرى.
وبكل حال، لم تعد الأمور تقف عند ما يقوله ساسة في مجالسات أو حوارات مثل العبادي وغيره، فبعض السياسيين المخضرمين وعلى رأسهم طاهر المصري، يصرون دوماً اليوم على أن ما يجري جزء من مشروع تصفية القضية الفلسطينية، والأخطر ـ في رأي الليبراليين السياسيين ـ هو أن إسرائيل لا يوجد ما يمنعها اليوم إطلاقاً ـ كما يؤكد الخبير الاقتصادي والسياسي الدكتور محمد الحلايقة ـ من السعي لنقل الصراع إلى العمق الأردني.
ذلك يتطلب ليس فقط مقاربات وطنية جديدة ولا قواعد اشتباك أدركت مجسات الدولة الأردنية والقرار أنها مطلوبة وبإلحاح للحفاظ على الذات، بقدر ما يتطلب إطلاق مبادرات جدية في الواقع الاجتماعي والسياسي وفي الواقع البيروقراطي للدولة الأردنية، تؤسس لمواجهة إسرائيل وطموحاتها ومشاريعها سواء أكانت على شكل توريط الأردن في المعادلة بالضفة الغربية أو التجمعات السكانية الباقية، أو على صعيد تهجير أهالي الضفة الغربية ووضع المملكة الأردنية الهاشمية سيادياً بمستوى الخطر، أو حتى سواء على صعيد ترديد مقولات الماضي بعنوان الوطن البديل.
يبدو أن حالة رسمية بدأت تستيقظ وتستجيب لتلك النداءات، لكن عدد الشخصيات الوطنية الأردنية التي تحذر من المقبل وتدعو إلى صحوة أردنية وطنية في المجتمع والشعب على قرار المؤسسات، بدأ يزيد بشكل ملحوظ. ويعتقد الدبلوماسي العريق وخبير المفاوضات في السابق والناشط السياسي البارز الدكتور موسى بريزات، أن الفرصة «نعم، متاحة لقراءة المشهد بعيداً عن الأوهام».
وكان رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، قال إن الأردن لا يقيم رهاناته في المسألة الإسرائيلية على تصريحات الحكومات المنتخبة، بل يقرأ الحقائق والوقائع.
وما يقترحه البريزات هنا وهو يتحدث عن هذا الموضوع ، هو وقفة تأمل عميقة لا تقف عند حدود عودة اليقظة للجميع، ولكن المضي قدماً للأمام بوصفة لا تنتهي عند حدود التحذير فقط، بل في استعداد لمعركة الحفاظ على الوطن الأردني.
مشاعر الكثير من الأردنيين قلقة في هذه المرحلة الصعبة، لكن مراقبين يرون أن الصحوة ينبغي أن تكتمل في حلقات القرار، وأن المطلوب من الدوائر الرسمية الآن تشبيك الأيدي والأكتف والقلوب والقرار مع الشعب الأردني للتعامل مع مؤامرة حقيقية.
والوصفة ـ إذا جاز التعبير ـ بتقدير شخصية مثل العبادي، عليها أن تفهم الآن أن خيارات الأردن السيادية والاستراتيجية ومصالحه في المستقبل لم تعد رهينة لتصورات أمريكية أو غربية أو إسرائيلية، والأفضل الانتباه إلى أن الفعل الحقيقي على الأرض في الميدان الفلسطيني للمقاومة الفلسطينية تحديداً، وهو ما ينبغي أن تتأمله جيداً سلطات القرار الأردني؛ فمن غير المعقول ـ في رأي المصري وغيره ـ أن يستمر الأردن في تجاهل المقاومة، إنما المطلوب وبإلحاح دعم وتحصين صمود الشعب الفلسطيني بما يتطلبه التأطير مع المقاومة ودعمه.
ويقدر سياسيون كثر ومن بينهم البرلماني خليل عطية، أن عمان ينبغي لها ألا تبقى عند حدود موقفها الحالي من الامتناع عن مصافحة المقاومة الفلسطينية، علماً بأن شخصية بارزة مثل أحمد عبيدات كانت قد حذرت من أن تمكن الجيش الإسرائيلي من هزيمة أو إضعاف المقاومة الفلسطينية في غزة سيؤدي إلى نتائج وخيمة على المصالح الحيوية الأردنية.
وما يلاحظ عموماً في مجالسات وسهرات ونقاشات الأردنيين أن عدد الدعاة هذه المرة للتشبيك مع المقاومة هو أكبر من أي وقت مضى، فيما مواقف الشارع وبوصلته واضحة الملامح وهي تهتف في كل تجمع للناطق الرسمي باسم كتائب القسام أبو عبيدة.
القدس العربي