جفرا نيوز - في المراحل الأولى من حرب إسرائيل ضد حركة "حماس"، ركزت الولايات المتحدة دعمها الدفاعي في إطار جهود بذلتها ضمن مجالين هما: المساعدة الأمنية؛ والدعم العسكري المباشر.
ويستند كلاهما إلى افتراضين، أولهما هو أن واشنطن ستكون قادرة على دعم إسرائيل بالإمدادات العسكرية مع الاستمرار في تقديم الدعم لأوكرانيا ومساندة القوات الأميركية في جميع أنحاء العالم.
وفي إحاطة إعلامية يوم 9 تشرين الأول (أكتوبر)، أكد مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية أن الولايات المتحدة قادرة على دعم أوكرانيا وإسرائيل مع الحفاظ على "التأهب العالمي" لقواتها. والافتراض الثاني هو أن الولايات المتحدة لن تقاتل بشكلٍ مباشرٍ في هذا الصراع.
وكما صرّح منسق الاتصالات الاستراتيجية في "مجلس الأمن القومي" الأميركي، جون كيربي، في 9 تشرين الأول (أكتوبر)، فإن الولايات المتحدة "لا تنوي نشر قوات على الأرض".
وللوهلة الأولى، تبدو هذه الافتراضات صحيحة ما دام الصراع يقتصر على غزة، ولكن من المؤكد أنها ستخضع للاختبار إذا انضم آخرون إلى القتال.
إن طلبات إسرائيل للحصول على المساعدة الأمنية في الوقت الحالي واضحة ومباشرة: فوفقاً لبعض التقارير تسعى إسرائيل إلى الحصول على صواريخ اعتراضية لنظام الدفاع الجوي "القبة الحديدية"، وذخائر موجهة بدقة، وطلقات ذخيرة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن التهديدات الإقليمية الأخرى. وتُعتبَر هذه الطلبات استباقية،
وتم تقديمها على الأرجح تحسباً لنشوب صراع طويل الأمد يؤدي إلى نفاد المخزونات الإسرائيلية.
وقد بدأت الولايات المتحدة بتلبية بعض هذه الطلبات على الفور: في 10 تشرين الأول (أكتوبر)، أفاد مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، بأن بعض الصواريخ الاعتراضية قد تم تسليمها بالفعل.
وذكر مسؤولون أميركيون أنهم يؤمنون بأن لديهم صلاحيات كافية من خلال مذكرة التفاهم الحالية مع إسرائيل لتلبية بعض هذه الطلبات على المدى القريب من دون الحصول على صلاحيات إضافية من الكونغرس.
وأشار أحد كبار مسؤولي الدفاع إلى أن ذلك يشمل "النظر في ما كان متفقاً عليه" مع إسرائيل فيما يتعلق بعمليات شراء الأسلحة الإسرائيلية و"العمل على تسريع ذلك".
ووفقاً لبعض التقارير، بدأت شركة "بوينغ" هذه الأيام في تسريع تسليم ألف قنبلة صغيرة القُطر إلى إسرائيل، والتي كانت جزءاً من عملية بيع تجارية مباشرة في العام 2021.
وعلى المدى الطويل، أبدى مسؤولون آخرون تحفظاً بشأن قدرة واشنطن على تقديم الإمدادات لكلٍ من أوكرانيا وإسرائيل
في ظل الصلاحيات الحالية: فقد حذّرت وزيرة الجيش الأميركي خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي من أن تقديم الإمدادات للبلدين "في وقت واحد" سيتطلب تمويلاً إضافياً من أجل "زيادة قدرتنا على توسيع الإنتاج، ومن ثم دفع ثمن الذخائر نفسها أيضاً". ووفقاً لبعض التقارير، يخطط مسؤولو البيت الأبيض لطلب سلطات تمويل إضافية من الكونغرس في وقت مبكر من الأسبوع المقبل، ربما عن طريق ربط الطلب بدعم أوكرانيا وتايوان والتمويل الحدودي.
وفيما يتعلق بالدعم العسكري المباشر، تحركت الإدارة الأميركية بسرعة لإعادة تموضع "مجموعة الناقلات الضاربة" (حاملة الطائرات الهجومية) "يو إس إس فورد" (USS Ford) من غرب البحر الأبيض المتوسط إلى مكانٍ أقرب إلى المياه الإقليمية الإسرائيلية.
و"يو إس إس فورد" هي حاملة الطائرات الأميركية الأحدث والأكثر تقدماً والأكبر في العالم.
وقد دخلت "مجموعة الناقلات الضاربة" إلى البحر الأبيض المتوسط في حزيران (يونيو)، وهي تضم طرادة صواريخ موجهة من فئة "تيكونديروغا" Ticonderoga، وأربع مدمرات صواريخ موجهة من فئة "أرلي بيرك" Arleigh Burke. وهي قادرة على القيام بمجموعة واسعة من العمليات، بدءًا من المهمات الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع وإلى الهيمنة البحرية، وتوجيه الضربات الدقيقة بعيدة المدى -وربما الأكثر أهمية، الدفاع الصاروخي.
وأعلن البنتاغون أيضاً عن خططٍ لتعزيز وجود طائراته المقاتلة في المنطقة، والتي تشمل مجموعةً من طائرات "إف-35".
ويعني ذلك إعادة إدخال المقاتلة المتقدمة من الجيل الخامس إلى المنطقة بعد أن كان قد تم إعادة طائرات "إف-35" التي نُشرت سابقاً إلى الولايات المتحدة في الأسبوع الذي سبق كتابة هذه السطور -بعد أن كانت قد أُرسلت لردع العدوان الروسي في سورية والسلوك الإيراني في الخليج.
وفضلاً عن ذلك، من المرجح أن تضيف "مجموعة الناقلات الضاربة" طبقةً من الدفاع الجوي والتغطية الرادارية إلى شبكة إسرائيل، مع توفيرها مستوى آخر من المعرفة الاستخباراتية لجبهات إسرائيل الأخرى.
ووفقاً لكيربي، ستقوم البحرية الأميركية أيضاً بإرسال مجموعةً ثانيةً من حاملة الطائرات الهجومية إلى البحر الأبيض المتوسط لتكون قريبة "عند الحاجة إليها".
وعلى نطاق أوسع، يهدف وجود "مجموعة الناقلات الضاربة" إلى ردع الجماعات الأخرى المتحالفة مع إيران عن الدخول في الصراع. وكما أشار أحد كبار المسؤولين الأميركيين في الشؤون الدفاعية، فإن الوجود المتزايد يجب أن يدفع الخصوم إلى "التفكير مرتين" قبل الدخول في المعركة.
في ظل المستوى الراهن للأعمال العدائية، تبدو الإدارة الأميركية مرتاحة لمستوى الدعم الدفاعي.
وقد أكد الرئيس بايدن في 10 تشرين الأول (أكتوبر) وجود أميركيين بين الرهائن المحتجزين في غزة، وأشار في اليوم الذي سبق ذلك إلى أنه أعطى توجيهاتٍ إلى فريقه من أجل "العمل مع نظرائهم الإسرائيليين في كل جانبٍ من جوانب أزمة الرهائن، ومن بينها تبادل المعلومات الاستخباراتية ونشر الخبراء من مختلف أقسام الحكومة الأميركية، بهدف التشاور مع نظرائهم الإسرائيليين وتقديم المشورة لهم بشأن جهود استعادة الرهائن".
وبالإضافة إلى ذلك، أشارت التقارير إلى أن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، أصدر تعليماته لفرق العمليات الخاصة المعنية بإنقاذ الرهائن من أجل "الانخراط" في دعم إسرائيل وجهودها الرامية إلى تحرير الرهائن، وذلك من خلال جهود التخطيط والاستخبارات بشكلٍ أساسيٍ. ومع ذلك، تكمن في هذه الجهود الرغبة في إبقاء دور الولايات المتحدة مقتصراً على التشاور.
طالما ظلت الحرب مقتصرة على إسرائيل و"حماس" في غزة، من المرجح جداً أن تُواصل واشنطن تأدية هذا الدور. ولكن إذا اتسعت رقعة الصراع مع انضمام جهات فاعلة أخرى متحالفة مع إيران مثل "حزب الله"، فسيتعين على إدارة بايدن دراسة احتمال التدخل العسكري من ثلاثة منظورات.
أولاً، كيفية تقييم الإدارة الأميركية لقدرة إسرائيل على التعامل مع حربٍ متعددة الجبهات بمفردها، وقد يشمل ذلك تقييمات إسرائيل لقدراتها الخاصة أيضاً، وما إذا كانت القدس ستطلب المزيد من التدخل الأميركي المباشر.
ثانياً، ما إذا كانت القوات الأميركية -أو إذا كان المدنيون الأميركيون الموجودون حالياً في المنطقة- معرضين للتهديد أو انخرطوا بالفعل في الأعمال العدائية. ثالثاً، ما إذا كان بايدن يواجه ضغوطاً شعبيةً كبيرةً للتدخل عسكرياً.
ومع ذلك، إذا اختارت الولايات المتحدة عدم المشاركة مباشرة، فيمكنها أن تنظر في طرقٍ أخرى لردع الجهات الفاعلة الإضافية عن التدخل.
ويمكن أن يشمل ذلك عروضاً مبتكرة للقوة تنفذها الأصول الأميركية في المنطقة، مثل إظهار قدرات مجموعة حاملة الطائرات الهجومية (إما بشكل مستقل أو مع قوات شريكة) من خلال التدريبات وممارسة تمارين المحاكاة قبالة الساحل اللبناني لإرسال رسالة ردع إضافية إلى "حزب الله" وإيران.
كما ستؤثّر مدة الحرب وتوسعها الأفقي المحتمل في قدرة واشنطن على مواصلة تقديم الإمدادات لإسرائيل. وحالياً يصرّ المسؤولون الأميركيون على أن المخزونات كافية لدعم كلٍ من أوكرانيا وإسرائيل، وأحد الأسباب لذلك هو أن جزءاً كبيراً مما قدّمته الولايات المتحدة لأوكرانيا حتى الآن (منصات المدفعية والقذائف المرتبطة بها) لا يتداخل إلى حدٍ كبيرٍ مع ما طلبته إسرائيل (صواريخ اعتراضية من طراز "القبة الحديدية" وذخائر موجهة بدقة تُطلق من الجو).
وإذا تغير ذلك، فقد يزداد الضغط على المخزون العالمي الأميركي. وقد ظهرت بالفعل تكهنات حول حالة مخزون الأسلحة الأميركية في إسرائيل، أي "مخزون احتياطي الحرب من الذخيرة لإسرائيل"، الذي استخدمته الولايات المتحدة في كانون الثاني (يناير) الماضي لنقل الإمدادات إلى أوكرانيا (تجدر الإشارة هنا إلى أنها سحبت أيضاً من مخزون مماثل في كوريا الجنوبية).
وقد أشار المسؤولون الأميركيون في الشؤون الدفاعية إلى أن الصناعة تعمل على تكثيف الإنتاج لتجديد هذه المخزونات والقدرات الأخرى، لكن ذلك ما يزال قيد التنفيذ.
وفي أي صراع طويل الأمد، من المرجح أن تحتاج الولايات المتحدة إلى تمويل إضافي من الكونغرس -ليس فقط لتزويد إسرائيل بمناهج العمل القائمة، بل لتعزيز خطوط الإنتاج المحلية أيضاً.
الخاتمة
يشكل الهجوم على إسرائيل والحرب اللاحقة في غزة اختباراً آخر لرغبة الولايات المتحدة في تحويل الاهتمام إلى الصين وروسيا في عصر المنافسة بين القوى العظمى. وكان الشرق الأوسط مركز التحول في التركيز العسكري للولايات المتحدة، حيث تقلص وجود القوات الأميركية في المنطقة في السنوات الأخيرة من حوالي 90 ألف جندي في العام 2020 إلى حوالي 34 ألف جندي في العام 2023، حيث قامت واشنطن بنقل المصادر للتركيز على مناطق أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، استنفدت حرب أوكرانيا المخزونات الأميركية من قدرات معينة واختبرت قدرة القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية على زيادة الإنتاج. وستتطلب حرب غزة أيضاً من الولايات المتحدة الالتزام بتقديم قوات ومعدات لدعم إسرائيل.
وإذا أرادت واشنطن مواصلة دعم شركائها على الصعيد العالمي مع الاستعداد لمنافسة طويلة المدى مع الصين، فسوف تحتاج إلى تفكير ابتكاري مستمر في نشر القوات العسكرية وجهود متضافرة من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) لتوسيع القاعدة الصناعية الدفاعية من أجل توفير دعم دائم وهادف للشركاء في الخارج.
*غرانت روملي: "زميل غولدبرغر" في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" التابع لمعهد واشنطن حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط". وفي الفترة من 2018 إلى 2021، عمل مستشاراً لسياسة الشرق الأوسط في مكتب وزير الدفاع الأميركي.
غرانت روملي – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى)