النسخة الكاملة

سياسيون يقدمون قراءة عميقة باتجاهات سيناريو احداث المنطقة ومقاربة التحديات المقبلة

الخميس-2023-10-12 10:09 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - انتقال الخطاب المركزي المرجعي الأردني من مستوى الحديث عن عنصرية إسرائيل تحت قبة الأمم المتحدة إلى منسوب التأكيد بثبات ومجدداً على أن البوصلة الأردنية فلسطينية دوماً وستبقى، هو انتقال لا يمكن العبور منه وعنه ببساطة وسلاسة دون تقدير حجم الاستجابة للظرف الراهن.

في نيويورك وقبل أسابيع قليلة وتحت شعار الأمم المتحدة، قال الملك عبد الله الثاني رسائل محددة لمخاطبة الضمير العلني ولتأكيد المؤكد في الثوابت الأردنية من لحظة ما سمي بصفقة القرن إلى لحظة تدحرج تداعيات معركة طوفان الأقصى.

وفي عمان، ظهر الأربعاء، كان الخطاب الفلسطيني الجوهر الوحيد للملفات والقضايا الخارجية ضمن خطاب العرش الدستوري المهم الذي يلقى بالعادة في افتتاح دورة البرلمان، بمعنى أنه توجيه سياسي من رأس السلطات الثلاث إلى رموز تلك السلطات ومجالسها ومؤسساتها.

بلغة حازمة في نيويورك، تم توجيه رسائل متعلقة بعنف اليمين الإسرائيلي وبالحقوق الإنسانية المدنية التي يستهدفها الإطار العنصري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

وفي عمان استدارة في الخطاب والمنهج، وجد صانع القرار أن الفرصة مواتية لإعادة تذكير الجميع خارجياً ومحلياً وإقليمياً فيها، وعلى أساس القناعة بأن الأردن يتمسك بثوابته في القضية الفلسطينية، ويعتبر فلسطين بوصلته وقضيته المركزية، لا بل خطاباً مباشراً يؤشر على التزام الأردن بتلك الثوابت العلنية والبقاء في مستوى ذلك الالتزام بصرف النظر عن التحديات. لهجة الأردن في القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل تتغير وتتبدل.

وتطورات الأحداث في معركة غلاف غزة الأخيرة دفعت الشارع الأردني إلى إعادة تداول تلك المداخلات لشخصيات سياسية رسمية تدعو لتسليح الأردنيين، وأبرزها لوزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة، ثم للوزير والبرلماني العريق الدكتور ممدوح العبادي الذي أعاد التأكيد بأن الصحوة في إطار فهم المصالح وقراءة اتجاهات إسرائيل تتطلب الجاهزية والاستعداد لإجراء ومقاربة بمستوى التحديات.

مؤخراً، وقد لا حظ العبادي وغيره من كبار الملاحظين ذلك، أعيد ضبط إعدادات ليس فقط الشارع الأردني الذي يبحث عن صيغة مليونية غداً الجمعة للتعبير عن موقفه، بل أيضاً خريطة النخب التي لا تتبنى بالعادة ـ تقديراً لظروف ومحددات المصالح الأردنية ـ خطاباً إعلامياً للمواجهة والاشتباك.

برزت في وقت سابق مداخلة رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، القاضية بضرورة اللعب بالأوراق الخشنة.
وبرزت قبل معركة الغلاف إشارة رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني، بخصوص الاستعداد للصدام العسكري في حال تجاوز يمين إسرائيل لثلاثة خطوط أردنية حمراء، ثم تمسك العناني عندما استفسرت منهي تلك الإشارة، مقترحاً بأن على الإسرائيلي التوقف عن اللعب بالنار.

بعد إعلان معركة طوفان الأقصى ولها ما لها بالتأكيد لاحقاً، استرسل خطاب الثوابت الأردنية في وجبة تكتيكية إلى حد ما أخذت بالاعتبار مستجدين مثيرين، هما: أولاً، الركوب بالحافلة المصرية على أساس الشراكة بعدما صدمت مصر من خطاب الجيش الإسرائيلي الذي يحرض أهل غزة على التحرك الديمغرافي والنزوح في اتجاه سيناء. وثانياً، البقاء في حالة استثمار محتملة للحظة الارتطام الحالية الكارثية على أمل الجلوس مجدداً على طاولة الأدوار ولو من باب لوجستيات الإغاثة الإنسانية.
في الأثناء، ينتقل خطاب بعض النخب المهمة في المجتمع الأردني بعدما تبدلت نسبياً لهجة الموقف الرسمي إلى مستويات مصارحة غير مألوفة؛ فرئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي يعلن في مدينة العقبة جملة تأييد غير مسبوقة تشيد بالمقاومة الفلسطينية، وفكرتها أن شهداءها في 70 ساعة فقط صنعوا ما عجزت عنه مؤسسات العجز العربي والنفاق الدولي.

تلك كانت مداخلة حادة ونارية سياسياً في الإقرار بالوقائع من رجل دولة محنك ومخضرم يبتعد عن الأضواء منذ سنوات، فيما تركيز الخطاب المرجعي على الالتزام العروبي في الموقف الأردني رسالة لإسرائيل وللولايات المتحدة بأن الأردن وبصرف النظر عن كل وجهات النظر وما يحصل أو سيحصل ليس في موقع الإقرار والموافقة أو حتى شرعنه ما تفعله إسرائيل بقطاع غزة والضفة العربية وبأي صيغة.

قياساً باللهجة التي تتبدل والركوب بالحافلة المصرية على أساس الشراكة محلياً ثم الانخراط القوي في حملة ضغط دبلوماسية وأخرى لوجستية إغاثية اخترقت فعلاً المنطق الإسرائيلي الإجرامي، يمكن القول حقاً إن الأردن يرفع من قيمة التوقف عن إنكار المخاطر، لا بل يتصرف أحياناً على أساسٍ بدأ يوحي بتفهم الأسباب الإسرائيلية التي تدفع المشهد برمته إلى حضن العنف مقابل العنف والسعي للمقاومة.

عملياً، عندما تقول مصر ضمناً إنها لن تقبل تعليقات المتحدث العسكري الإسرائيلي الأحادية بخصوص الديموغرافيا في غزة، تنتبه المؤسسة الأردنية الخبيرة والعميقة إلى أن سيناريو التحريك إياه لو سمح له بالصمود والتمكن على الواجهة المصرية لأصبح سابقة يمكن تكرراها إذا ما اشتدت المواجهات وانتقلت إلى الضفة الغربية. تعلم المؤسسة الأردنية يقيناً بأن ذلك إن حصل في مصر، قد يفكر يمين إسرائيل بتكراره في اتجاه الأردن؛ بمعنى حصري لمفردة الترانسفير والوطن البديل التي اعتبرها العناني علناً، سابقاً، واحدة من الخطوط الحمراء الثلاثة التي قد نقول إنها قد تستوجب صداماً عسكرياً.

القدس العربي -
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير