جفرا نيوز -
جفرا نيوز- يستذكر العالم اليوم الاثنين الذكرى 54 لإحراق المسجد الأقصى الشريف، والدور الأعظم للهاشميين في تخفيف المصاب عن المسجد الأقصى وأهله منذ أكثر من قرن، بصفتهم أصحاب الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية في القدس، وما زالت مقولة جلالته «دفاعي عن حقوق المسلمين والمسيحيين في القدس واجب وإرث هاشمي»، يتردد صداها في نفوس الأمة، والتي تتعاظم في عينها جهود جلالته وخطاباته في كل المحافل الدولية لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني وتحرير المسجد الأقصى الشريف.
ويسرد الكاتب والباحث المتخصص في شؤون القدس عزام أبو السعود لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أحداث ذلك اليوم قائلا «حدثني المرحوم والدي الذي كان عضوا في الهيئة الإسلامية ومجلس الأوقاف الأعلى بالقدس، بأنه لم ير هذا العدد الهائل من الناس القاطنين حول الأقصى، وفي البلدة القديمة من القدس، يتدافعون للوصول إلى الأقصى إلا في يومين اثنين، وهما يوم زلزال القدس عام 1927، ويوم حريق الأقصى عام 1969، فالناس حين الزلزال تدافعوا نحو الأقصى ليحتموا بساحاته المكشوفة من جهة، ومن جهة أخرى ليساعدوا في إزالة آثار الدمار الذي حل بالأقصى نتيجة الزلزال، وأدى إلى هدم الرواقين الشرقيين من المسجد الأقصى».
ويضيف»في حريق الأقصى، تدافع المسلمون والمسيحيون صغارا وكبارا ونساء ورجالا للمساعدة في إخماد الحريق الذي شب في الجهة الشرقية من المسجد، وأخذ يمتد ملتهما الجنوب الشرقي، ومتجاوزا الرواق الأول والثاني والثالث، وامتد حتى الرواق الأوسط وأطراف القبة وصولا إلى منبر صلاح الدين التاريخي، والذي يشكل رمزا حقيقيا للتخلص من الغزاة، والذي أحضره صلاح الدين الأيوبي من حلب إلى الأقصى بعد أن حرر القدس.
ولم يستغرق الوقت كثيرا حتى وصلت سيارات إطفاء من بيت لحم ورام الله والخليل للمساعدة في الإطفاء، إضافة إلى سكان المناطق المجاورة للقدس من مدن وقرى عربية، واستغرقت عملية الإطفاء عدة ساعات، ولم يكن البث التلفزيوني منتشرا أو متطورا في حينه، لذلك لم يصلنا من صور إحراق الأقصى على يد متعصب صهيوني يهودي، إلا النزر القليل من اللقطات، لذلك، فإن شهود عيان كانوا هم عيون الناس التي نقلت لنا ما أبكانا وأحزننا، ونحن نرى كيف حارب سكان القدس النيران، وكيف كانت نتائج هذا الحريق المؤلمة والمدمرة على أعز ما يملكه أهل القدس وفلسطين، المسجد الأقصى الذي هو شعارهم وأساس وجودهم كمرابطين حامين لهذا الصرح الديني أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
ومـا كـان مـن جلالة الملك الحسين بن طلال -طيب الله ثراه- إلا أن أمـر بإعادة ترميم مـا أتلف، وأمر بإعادة صنع منبر صلاح الدين الأيوبي.
المؤرخ والمفكر الأردني الدكتور محمد هاشم غوشة، قال:
كانت الساعة السابعة من صباح يوم الخميس في 21 آب عام 1969 ساعة شؤم على مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، فقد أحرق متطرف إسرائيلي المسجد الأقصى المسقوف، وامتدت نيران الحريق لتلتهم حوالي 1500 متر مربع من مساحته.
ويلفت إلى أنه أصاب الحريق المشؤوم المنبر الأثري الذي أمر بصنعه السلطان نور الدين زنكي، ونصبه السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي في المسجد الأقصى المسقوف بعد تحرير المدينة المقدسة من الاحتلال الفرنجي في سنة 1187م، وقد وصف ابن الأثير الجزري صاحب كتاب (الكامل في التاريخ) منبر المسجد الأقصى المبارك قائلا: (لم يعمل في الإسلام مثله).
ويضيف «أتت نيران الحريق كذلك على مصليات ومرافق متعددة داخل المسجد الأقصى المسقوف، كان من أبرزها جامع عمر، ومقام الأربعين، والأروقة الشرقية للمسجد، بالإضافة إلى محراب السلطان صلاح الدين، وهو المحراب الرئيس للمسجد الأقصى، ناهيك عن قبة المسجد من الداخل حيث احترقت الفسيفساء الأموية والفاطمية المذهبة وكذلك الكتابات الجبصية المملوكية والعثمانية، والأخشاب الحاملة للقبة، والأعمدة الرئيسة الحاملة لكرسي قبة المسجد الأقصى المسقوف».
ويشير إلى أنه سقطت من جراء الحريق أجزاء واسعة من السقف الشرقي للمسجد الأقصى المسقوف، واحترقت 48 نافذة تاريخية من نوافذ الأقصى، كما احترقت النقوش والكتابات القرآنية الفسيفسائية المذهبة الممتدة على واجهات الجدران الجنوبية والشرقية للمسجد.
يقول»منذ أكثر من مائة عام، يستمر الهاشميون في وصايتهم التاريخية على المسجد الأقصى المبارك، فأعادوا ترميم المسجد، وصيانته، ومن أبرز مآثر جلالة الملك عبد الله الثاني إعادة بناء منبر المسجد الأقصى المبارك على النحو الذي كان عليه قبل الإحراق، فضلا عن الإعمارات المتتالية لقبة الصخرة المشرفة، وسائر معالم المسجد الأقصى المبارك».
وفي دراسة تأريخية فنية دلالية للدكتور منور المهيد، بعنوان إعادة بناء منبر المسجد الأقصى المبارك، منبر صلاح الدين الأيوبي، المنشورة في المجلة العربية للثقافة الصادرة عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، جاء أن منبر صلاح الدين كان غاية في الروعة في صنعته، وانتدب له نخبة الصناع المهرة في النجارة ومعالجة الخشب المطعم بالعاج والرقش والنقش بالزخارف الهندسية والنباتية والكتابة والتطعيم، فاختاروا أخشابه وقضوا في صنعه ثماني سنوات، في مدينة حلب بسوريا التي كانت مشهورة وقتها بتفوق صناعتها الخشبية، إذ كان عملا فنيا ضخما في حجمه البالغ خمسة أمتار وخمسة وثلاثين سنتيمترا طولا وأربعة أمتار ارتفاعا.
ولفتت الدراسة إلى أنه مع إدراك صعوبة المهمة بإعادة بناء المنبر بعد احتراقه نتيجة عدم وجود تسجيل توثيقي كامل للمنبر، أقدمت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الدينية على طرح مسابقة لإعداد المخططات التنفيذية للمنبر، فاز فيها مكتب هندسي أردني، استند في مخططاته إلى العديد من الوثائق الفنية والمعمارية المتعلقة به.
وأدى مشروع إعادة بناء منبر صلاح الدين الأيوبي، إلى إنشاء معهد أكاديمي يعنى بدراسة وتدريس الفنون والصنائع الإسلامية التاريخية، ثم تم التوجيه بإنشاء هذا المعهد في جامعة البلقاء التطبيقية ليكون أول مؤسسة أكاديمية في المنطقة تعنى بهذه التخصصات، وتوسع هذا المعهد ليصبح كلية جامعية متقدمة في تدريس الفنون والعمارة الإسلامية.
وبحسب موقع اللجنة الملكية لشؤون القدس، فإنه منذ تولي جلالته سلطاته الدستورية عام 1999 تم تنفيذ عدد من مشاريع الإعمار، بأمر جلالته وهو ما عرف بالإعمار الهاشمي الخامس الذي شمل مشروع إعادة بناء منبر صلاح الدين، حيث وضع في السابع والعشرين من شهر رمضان سنة 2002 اللوحة الزخرفية الأساسية للمنبر في جامعة البلقاء التطبيقية في كلية الفنون الإسلامية، حين قامت بفضل القائمين عليها من أساتذة وعاملين بتنفيذ هذا العمل ليأتي مطابقا للمنبر الأصلي بتفاصيله كافة.
وفي الخامس والعشرين من شهر تموز سنة 2006، أزاح جلالته الستار عن منبر صلاح الدين في جامعة البلقاء التطبيقية مؤذنا ببدء إعادة المنبر إلى المسجد الأقصى، ومجسدا بذلك حرص الهاشميين على إعمار وبناء المقدسات الإسلامية، وتم نقل المنبر إلى موقعه في المسجد الأقصى، وبذلك أعاد الهاشميون الرمز المماثل لما أحضره أصلا صلاح الدين الأيوبي سنة 1187 من الحلوية (مبنى أثري صنع فيه المنبر الأول) في حلب.
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبدالله توفيق كنعان، يقول «يشكل المسجد الأقصى المبارك بمساحته الكلية 144 دونما عقيدة راسخة في قلوب الشعوب الإسلامية، وهو ركيزة تاريخية وسياسية ودينية وثقافية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته الصهيونية في فلسطين التاريخية المحتلة خاصة في مدينة القدس.
ويضيف، ولإدراك الفكر الصهيوني ويقينه بالأبعاد الوجدانية للمسجد الأقصى، تكررت سيناريوهات ومخططات الاحتلال زعزعة هذه الرمزية بالاعتداء المباشر أو من خلال التضييق على المصلين ومنع دخولهم، بالإضافة إلى محاولات منع عمليات الترميم والإعمار، وبنفس الاتجاه السماح، بل حماية مجموعات المستوطنين بالدخول المسجد الأقصى، وتوفير الحماية لهم للقيام بطقوسهم المتعلقة بالهيكل المزعوم، القائم على فكرة هدم المسجد الأقصى المبارك وإقامة الهيكل على أنقاضه.
ويوضح أن اللجنة الملكية لشؤون القدس تؤكد أن ذكرى حريق المسجد الأقصى تحمل الكثير من المضامين سواء في توقيتها أو حيثياتها، أي أن شهر آب الذي يسمى عند اليهود الحزين، ففيه يربط اليهود بين تدمير هيكلهم المزعوم على يد الإمبراطور الروماني تيطس من جهة، وبين إعادة بنائه على أنقاض المسجد الأقصى، واليوم تتولى دور تنفيذ المخطط والترويج له منظمات الهيكل المزعوم، وعددها أكثر من 80 منظمة متطرفة ينتسب إليها اليوم وزراء حكومة اليمين الصهيونية الإسرائيلية، وينظم هذه المؤسسات الحاخامات وطلبة المدارس التلمودية، وتوفر لهم الرواتب والأموال لغايات التفرغ للاقتحامات وإقامة الطقوس».
ويبين أن مسلسل ومخطط حرق المسجد الأقصى المبارك ما زال مشتعلا، ويظهر على شكل حلقات منها الاقتحامات وإبعاد المرابطين والمرابطات وتهويد أسماء الأماكن ومنع ترميم مرافق المسجد، والأخطر هو حرب المصطلحات الإعلامية بالترويج لمصطلح (جبل الهيكل)، ومحاربة المحتوى الإعلامي والثقافي الذي يؤكد الحق العربي الإسلامي والمسيحي في القدس، ومحو الهوية الثقافية العربية لمدينة القدس ببناء المشاريع الاستيطانية والحفريات حول وتحت المسجد الأقصى، وفي عموم فلسطين والقدس، وتكثيف إقامة الكنس اليهودية ومشاريع البناء المتصلة بها، ومد خطوط القطارات الخفيفة والتلفريك لربط المستوطنات ومحاصرة القدس من جميع الاتجاهات وتفريغ الأحياء والبلدات المقدسية مثل سلوان وحي الشيخ جراح، وتستند إسرائيل في سياسة الأبرتهايد إلى القوانين العنصرية تحت ما يسمى اليوم بالإصلاح القضائي.
ويشير إلى أن الموقف والدور الأردني شعبا وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس بالرعاية والاهتمام منذ عقود، من خلال الإعمارات الهاشمية، ومنها الإعمار الطارئ للمسجد الأقصى عام 1969 حيث بلغت نفقات إزالة آثار الحريق نحو 19 مليون دينار، وإعادة بناء منبر صلاح الدين وإعادته إلى مكانه، وإطلاق العديد من المبادرات الملكية الهاشمية مثل وقفية كرسي الإمام الغزالي ووقفية المصطفى لختم القرآن الكريم في المسجد الأقصى.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، يحمل الأردن ملف قضية فلسطين والقدس، ويشارك بفعالية في أعمال منظمات الأمم المتحدة وما يصدر عنها من قرارات تؤكد الحق العربي الفلسطيني في القدس والملكية الإسلامية للمسجد الأقصى المبارك بما في ذلك حائط البراق الذي تتزامن هذه الأيام ذكرى ثورة البراق عام 1929.
أما على صعيد الموقف الإسلامي والعربي ممثلا بمنظمة التعاون الإسلامي، فقد كان حريق المسجد الأقصى عاملا في إقامتها، كما تولي جامعة الدول العربية الاهتمام اللازم لقضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، وتحرص على الإشادة في بياناتها بالموقف والوصاية الهاشمية، وتتبنى المقترحات الأردنية الداعية لوحدة الصف والكلمة وتوجيه البوصلة والعمل للقدس وفلسطين، وفقا لكنعان.
ويعتبر مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية المهندس رفيق خرفان حريق المسجد الأقصى من أكبر الانتهاكات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية، ومن أبشع الجرائم والتي وفر لها الاحتلال الإسرائيلي الحماية، في وقت أدانها مجلس الأمن الدولي، وطالب وقتها بعدم تغيير وضع القدس، وتدمير معالم القدس المحتلة التاريخية والدينية.
ويشير إلى أن جهود جلالة الملك عبد الله الثاني مستمرة، ويتحمل هذا التكريم والتشريف برعاية المقدسات الإسلامية في القدس لاهتمامه بالحفاظ على الهوية العربية والإسلامية لهذه المدينة المباركة ومنعا لتكرار المزيد من الانتهاكات والاعتداءات الغاشمة على المقدسات الإسلامية فهو صاحب الوصاية والرعاية للأماكن الدينية المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف. (بترا)