جفرا نيوز -
جفرا نيوز : محمود خطاطبة
في عالم السياسية هُناك نظرية معروفة تُسمى بـ"النُظم"، تتلخص حيثياتها بأنه عندما يُراد تمرير قانون ما، يتم الدفع به إلى الرأي العام، من خلال عدة طُرق، وتبدأ الجهات المسؤولة، بمُراقبة أو مُتابعة ردود الأفعال (feed back) على ذلك القانون، حتى تخرج بالنهاية بتعديلات عليه تُحقق هدفها الأساس، وبالمُقابل تمتص غضب الرأي العام، الذي يُخيل إليه بأن الوضع بعد التعديلات أفضل مما تضمنته بنود القانون الأصلية.
أتوقع أن ذلك ينطبق على الحُكومة، عندما دفعت بمشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023 إلى مجلس النواب، وهو مليء بمُصطلحات فضافضة وثانية مُتداخلة مع قوانين أُخرى، فضلًا عما يتضمنه من عُقوبات نستطيع وصفها بأنها "قاسية"، فبعض العقوبات ارتفعت الغرامات فيها إلى الضعف، فبعد أن كانت 20 ألف دينار أصبحت 40 ألف. كما تضمن "الجزاء" حبس وغرامة، على الرغم من أنه في القوانين الأُخرى تكون العُقوبة بالحبس أو الغرامة أو بكتلا العُقوبتين.
نستطيع القول، بأن عملية دفع الحُكومة بـ"الجرائم الإلكترونية" على عجل، هي مُناورة مكشوفة، يُراد منها تحقيق عدة أهداف، جُلها يصب في مصلحتها، فضلًا عن حماية المسؤولين من النقد البناء، بالإضافة إلى التلميح حول قيمة الإعلانات الصادرة من السوق الأردنية عبر الشبكة العنكبوتية، والتي تبلغ أكثر من 80 مليون دينار.
"حُريتك تنتهي عندما تبدأ حُرية الآخرين".. هذه قاعدة وافية كافية، تُلخص كُل ما هو مسموح ومُباح للإنسان، فلا أحد يشك للحظة واحدة بأن جُل الأردنيين ليسوا ضد وضع ضوابط وقيود تُنظم التعامل مع الشبكة العنكبوتية، وبالأخص إذا كان هُناك سوء استعمال أو تصرف، وهم يلفظون سوء استعمال الحُريات، وكذلك هم ضد التشهير والقدح والذم، وإثارة النعرات، والتحريض على الجريمة، وانتهاك الأعراض.
نعم لا شك بأن هُناك ارتفاع في مُعدلات الجرائم الإلكترونية، تُهدد أمن وخصوصية حياة البعض من الناس، لكن مشروع القانون بوضعه الحالي يُشكل طعنة في رئة الحُريات، التي لطالما تغنى بها الأردنيون خلال أعوام مضت.. مشروع القانون بوضعه القائم يُشكل ضربة قاتلة للحُريات، خصوصًا أنه جاء في وقت تراجع فيه، وللأسف، ترتيب الأردن في هذا المجال، والخشية أن يتراجع أكثر.
الحُكومة تُريد بسط يدها على سوق الإعلانات الإلكترونية، من خلال فرض ضرائب على سوق "السوشيال ميديا"، خصوصًا نجوم الأخيرة والتي نفسها الحُكومة هي من روجت لهم في وقت سابق، ذلك حق للمواطن الأردني قبل الحُكومة نفسها، لما لها من عوائد مالية تعود بالخير على خزينة الدولة، لكن من غير "إسراف" في فرض عُقوبات وغرامات.. فكُل إنسان مُعرض لارتكاب خطأ غير المقصود، بعيدًا عن أي أجندات أُخرى.
وللعلم فقط، فإن عملية قوننة أو تأطير سوق "السوشيال ميديا"، ضريبيًا، عملية سهلة جدًا، إذ يكفي إلزام شركات المنصات العالمية بهذا الشأن، من خلال عقد أو اتفاقية، وذلك مسموح وحق، خاصة أنها تستخدم الفضاء المحلي.
غريب ما تُقدم عليه هذه الحُكومة، جراء إصرارها على مثل هكذا مشروع قانون، يفرض قيودًا جديدة على حُريات الرأي والتعبير، والذي يأتي في ظل المضي قدمًا في مشروع التحديث السياسي، وقُبيل نحو عام على إجراء انتخابات نيابية، ستكون "تاريخية"، حسبما وصفها مسؤولين.
أقول، حتى وإن تم إجراء تعديلات على "الجرائم الإلكترونية"، فإن الحُكومة ستُحقق غنائم كثيرة بُعيد إقراره، المُستفيد هو ذلك المسؤول الذي بات لا يتقبل نقدًا صحيحًا سليمًا!.