النسخة الكاملة

بعد التفاعل مع الزفاف الملكي.. الأوساط السياسية والنخب وكتاب المقالات.. ما الخطوة التالية؟

الخميس-2023-06-05 10:55 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز -  حسناً، ما الخطوة التالية؟ سؤال يتصدر واجهات ليس كتاب المقالات البارزين في العاصمة الأردنية عمان وصحافتها فقط، ولكن النخب والأوساط السياسية التي أعادت قراءة كل المشاهد التي تموقعت مؤخراً في إطار التفاعل الشعبي الكبير والواسع مع زفاف ولي العهد الأمير الشاب الحسين بن عبد الله، ليس في سياق قراءة مرتبطة بالابتهاج ومشاركة العائلة المالكة أفراحها فقط، لكن في سياق قراءة أعمق للمشهد وما تتطلع له هذه الجماهير التي خرجت إلى الشوارع لتحية موكب الزفاف وتقدمت خطوات كبيرة حتى باتجاه الزوجة الجديدة لولي العهد الأميرة رجوة الحسين، وبصيغة دفعت الأمير العريس ووالده الملك للتعبير العلني عن التقدم بالشكر لجميع الأردنيين الذين شاركوا العائلة بفرحته رغم أن الفرحة في جذرها وأصلها كانت تعود للأردنيين أنفسهم، وهم يدركون دلالات الحرص على "الاستمرارية والدستور”.

ماذا بعد؟

في كل حال.. ماذا بعد؟ هذا سؤال دراماتيكي عندما يتعلق الأمر ليس بواجب الأردنيين في التحلق حول مؤسساتهم الدستورية وتحديداً مؤسسة العرش، وليس أيضاً في سياق تمثيل المؤسسة المرجعية للهوية الوطنية السياسية لغالبية مكونات المجتمع الأردني، بل الأهم: ماذا بعد في سياق الأجندة الاقتصادية التي ترسمت مؤخراً على الأقل وقبل عرس ولي العهد باسم "التمكين الاقتصادي”؟ 

وماذا بعد في مجال التحديث السياسي والتحول ولو التدريجي، إلى النمط الديمقراطي، فالمقاربات تربط ما بين النوايا المرجعية التي كانت تبرمج وتجهز الجميع لولادة مؤسسة ولاية العهد، وبرمجيات التحديث في المئوية الثانية للدولة؟
فحالة ما قبل زواج ولي العهد مختلفة عما بعده.

 لذا يمكن الاسترخاء ببساطة تحت اللافتة الوطنية التي تقول بأن تطلعات الأردنيين نحو المستقبل مرتبطة الآن بالملفين السياسي والاقتصادي اللذين لا يتحركان إلا ببطء طوال السنوات الماضية. واليوم يشعر الأردنيون بأن لديهم مؤسسة لولاية العهد ستفرض حضورها وبصمتها على مسار الأحداث، وستتميز بدور أو تقمص دور الرقابة على الخطط الإجرائية والتنفيذية التي ينبغي أن تعمل في ظل الثوابت المألوفة ملكياً ومرجعياً عندما يتعلق الأمر بالحرص على المواطن.

التأريخ السياسي لكيفية التعاطي مع المشكلات المحلية البيروقراطية سياسياً واقتصادياً، يفترض أن يختلف الآن في ظل حالة تجديد البيعة التي توسعت وسط الأردنيين على نحو لا يمكن إنكاره، ولا يمكن أيضاً إنكار المعاني والدلالات التي تمثلها طقوس وتفصيلات ولوجستيات حفل زفاف صمم برسائل سياسية، فالتقط الرأي العام أو الشارع الأردني تلك الرسائل السياسية بعمق ومهارة، 
وأجاب عنها برسائل أخرى عميقة، قوامها أن الرواية المحكية شعبياً لا تتأثر بتراجع الخطط الحكومية ولا بأزمة الأدوات، ولا بالوضع الاقتصادي الصعب المعقد، ولا حتى بخطاب ما يسمى بالمعارضة الخارجية، أو بالآراء النقدية الداخلية غير المنطقية؛ لأن الشيفرة -كما قال الكاتب عمر كلاب- بين الملك والناس خارج نطاق التماس الآن. 

هذا ما قالته عملياً تفاعلات الأردنيين مع عرسهم وأميرهم. وعليه، يطرح المراقبون السؤال بعنوان: ما الخطوة التالية؟ لكن من المرات النادرة الجواب ليس مطلوباً من الدولة ومؤسساتها، بل من نخبها ورموزها التي ينبغي لها بعد الآن أن ترتقي لمستوى ما رصده العالم في عرس ولي العهد، حيث الناس يرفضون المزاودة والتأثير عموماً على علاقتهم التي تمثل أشواقهم وآمالهم بالنظام السياسي والمؤسسة الملكية، وحيث المؤسسة الملكية تراقب أداء الحكومات والسلطات التنفيذية والبرلمانية باعتبارها رأس السلطات الثلاث لصالح المواطن، وقد يعني ذلك خلط أو "ترويكا” جديدة قيد الإنشاء والتأسيس، ولا تفتقر هذه الترويكا الجديدة المطلوبة في الأيام والأسابيع المقبلة للوثائق المرجعية التي نتجت عن توافقات لا يمكن إنكارها.
وكل المطلوب من حكومات الحاضر والمستقبل والنخب والأدوات، هو الارتقاء إلى مستوى الرسالة الوطنية التي ظهرت في زفاف ولي العهد.

وكما قال عضو البرلمان والخبير الاقتصادي النشط الدكتور خير أبو صعليك، سابقاً، فإن الحكومات حالياً محظوظة وليس مطلوباً منها الاجتهاد كثيراً خارج النص، حيث نصوص نتجت عن حوارات مكثفة في العمق في مجال الإصلاحات الإدارية والاقتصادية، وفي مجال التعددية الحزبية، وهي نصوص محكمة وحظيت بالتوافق على المستوى الاجتماعي والنخبوي، وأيضاً هذا نادر على المستوى المؤسساتي والبيروقراطي.

لذا، فالدرب واضح والاتجاه معقول ومتزن نحو مسار التحديث للمنظومة السياسي والإصلاح الاداري والتمكين الاقتصادي، وكل المطلوب الآن أن توضع خطط تنفيذية لتحقيق الأهداف التي أبلغ الرأي العام فيها وبدون تشويش، مع تغيير بعض الطرق والصياغات ووقف التدخلات في عملية متفق عليها وتحظى بالإرادة المرجعية.

بالخلاصة، يعني كل ذلك أن الإجابة عن سؤال ما هي الخطوة التالية، أصبحت شبه واضحة إذا افترضنا حسن النوايا بجميع الأطراف. 

الطريق والمسار واضح، فثمة وثائق مرجعية وشعب جدد البيعة للمؤسسة الملكية، وثمة مؤسسة ولاية عهد ستدخل في الاشتباك بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات وتأثيرات على الواقع الموضوعي. ولا حاجة لاستيراد وزراء من الصين ولا للحفاظ على الطبقة السياسية الحالية التي التهمت النهج والمنهج وسحبت من رصيد النظام.

تمكن الأردنيون من إعادة تعبئة رصيد النظام لديهم، وأي سياسي يجتهد في الداخل والخارج ضمن هذا السياق سيواجه عاصفة من النقد، لا بل العزلة. والمطلوب الآن من الدولة وأذرعها ومؤسساتها وأجهزتها هو الاستثمار والبناء وطنياً، والتوظيف في مثل هذه اللحظة التاريخية، فالرصيد نفسه للمؤسسة المرجعية خارج الحسابات، وخضع لإعادة تعبئة جديدة تحت عنوان زفاف ابتهج به الأردنيون جميعاً.

المطلوب من التنفيذيين والإجرائيين

والمطلوب من التنفيذيين والإجرائيين فهم ذلك والبناء عليه، وليس العودة لصيغ وآليات وتقنيات وممارسات تحبط المواطن الأردني مرة أخرى، وتدفعه مجدداً إلى تلك السوداوية التي انتقدها يوماً رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، وثبت الآن أنها غير موجودة في الواقع العملي، إلا إذا كان المقصود سوداوية تجاه الأداء السلبي للحكومات المتعاقبة والنواب الذين يتم تعيين بعضهم تحت ستار عملية انتخابات خلافاً للمستشارين الذين يحترفون دق الأسافين بين القرار والشارع. وما يريده العامة الآن هو الحفاظ على الرصيد والبناء عليه، لا العودة إلى مستويات متدنية من الإدارة تسمح بالسحب مجدداً من الرصيد.


القدس  العربي