النسخة الكاملة

المواطنون يترددون في الانضمام للأحزاب .. هل فشلت المؤسسات بترويجها؟

الخميس-2023-05-17 10:45 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز – د. محمد أبو بكر

منذ العام 1992 صدرت العديد من قوانين الأحزاب في الأردن ، والقانون الحالي الذي بين أيدينا اليوم ، ينظر إليه الكثير من المراقبين بأنه من أغرب القوانين الحزبية على مستوى العالم بأجمعه .

في دول العالم العريقة بالديمقراطية ، فإنّ إنشاء حزب سياسي هو أسهل من تأسيس بقالة ، ففي إيطاليا مثلا ؛ يمكن الحصول على ترخيص حزب سياسي من البلدية ، وفي لبنان يستطيع سبعة أشخاص إنشاء حزب .

فالقضية لا تتعلق بالمؤسسين أبدا ، فقد جرّبنا قانون الخمسين مؤسسا ، ثمّ الخمسمائة ، وبعد ذلك المائة والخمسين ، وأخيرا قانون الألف مؤسس والمؤتمر التأسيسي ، فماذا تغيّر بعد كل هذه السنوات ، وهل هناك أمل بحدوث تغيير حقيقي في حياتنا الحزبية ؟

العمل الحزبي يرتبط بصورة وثيقة بالإنتخابات النيابية ، ولا يمكن الحكم على الأحزاب إلّا من خلال الأداء في المجالس النيابية ، وحتى هذه اللحظة لم نصل إلى هذه المرحلة ، التي ربما نصل إليها بعد عدة سنوات .

غرابة قانون الأحزاب تتمثل بتلك الشروط التي يجب على الأحزاب الإمتثال لها ، كالعدد ونسبة المحافظات وكذلك وجود نسبة معينة للشباب والمرأة ، فلماذا كلّ ذلك ؟ أليس الحزب هو مجرّد فكرة يقوم عليها مجموعة من الأفراد ؟ حتى لو كانوا من نفس المنطقة السكانية ، ومن ثمّ يجري تحويل هذه الفكرة لإطار حزبي ، وقد يجد مواطنا في محافظة المفرق مثلا رغبة في إنشاء حزب يهتمّ فقط بشؤون محافظته .

في الدول الديمقراطية ، الشارع هو الذي يحكم على قوّة الحزب أو ضعفه ، والحزب الذي يرى في نفسه عدم القدرة على المنافسة ، فإنه حتما سيغادر الساحة الحزبية لفشله في إيصال فكرته أو رسالته .
اليوم نجد أنّ هناك أربعين ألف مؤسس في الأحزاب ، فهل هذا الرقم حقيقي فعلا ؟ على الورق هذا الرقم موجود فعلا ، ولكن 

هل هذه الآلاف من الناس تعي معنى الحزب السياسي ، وهل تملك ثقافة حزبية أصلا ؟

بالتأكيد ؛ فإنّ هناك بين هؤلاء من هم حزبيون ، ويرغبون بعمل حزبي حقيقي ، غير أن الكثيرين من هؤلاء لا علاقة لهم بالأحزاب ولا الحزبية ، وقد شاهدنا ذلك من خلال بعض المؤتمرات التأسيسية ، والتي تشير إلى الكيفية التي جرى فيها جمع هذه الأعداد من المؤسسين .

كنت أتمنى لو أنّ هؤلاء الأربعين ألفا هم حزبيون حقيقيون ، ربما يجري صقلهم مستقبلا ، ولكن من خلال الخبرة ؛ فإنّ الغالبية منهم لن نرى وجوههم بعد المؤتمر التأسيسي ، وأتمنى أن أكون مخطئا في تقديري هذا ، لأنني أرغب بشدّة رؤية أحزاب حقيقية على ساحتنا السياسية .

مؤسسات الدولة المختلفة فشلت فشلا كبيرا في الترويج للأحزاب ، ورغم كل المؤتمرات والندوات واللقاءات التي لا تعدّ ولا تحصى ، فإنّ نسبة من يرغبون بالإنضمام للأحزاب لا تتجاوز الواحد بالمئة ، فماذا يعني ذلك ، وهل هناك من حلول للخروج من هذا الإحراج ؟

لا يمكن للمواطن الأردني منح ثقته للأحزاب السياسية دون أن يرى أفعالها على أرض الواقع ، وطيلة أكثر من ثلاثين عاما لم نشهد ما يغفر لهذه الأحزاب التي تقوقعت وانزوت وعملت على تهميش نفسها بنفسها ، فالحل هو بوصول الأحزاب للمجلس النيابي ورؤية ما تقوم به ، والخوف كلّ الخوف أن لا تتمكن الأحزاب من إحداث التغيير ، حتى لو كنّا إزاء تشكيل الحكومات البرلمانية الحزبية ، والخشية كذلك من عودة نفس الوجوه عبر بوابة الأحزاب .

حتى اللحظة ؛ لا يوجد ما هو مبشّر في المسيرة الحزبية ، فالأحزاب القائمة التي صوّبت أوضاعها أعادت إنتاج نفس الوجوه ، وهنا علينا أن نغسل أيدينا منها ، فلا أمل في التغيير أو تكريس الديمقراطية الداخلية ، أو حتى تقديم الوجوه الشابة وكذلك المرأة ، ويبقى الأمل في الأحزاب الجديدة ، والتي ربّما تتمكّن من التعلّم من أخطاء الأحزاب القائمة ، التي ما زالت تمعن في أخطائها ، وترفض التغيير ، حيث ترى قيادات غالبيتها بأنها لن تتنازل عن مواقعها لو انطبقت السماء على الأرض ، هذا هو الحال فعلا .
آمل أن أكون مخطئا في كل ما ذهبت إليه ، غير أنني من الذين عاشوا كل السنوات الثلاثين الماضية ، سنوات عجاف لم نشهد فيها فعلا حزبيا حقيقيا ، إلّا من رحم ربّي ، والأمل دائما بكلّ ما هو جديد ، لعلّ وعسى !

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير