النسخة الكاملة

العرب والسودان والتعامل بمنطق الأمس

الخميس-2023-05-08 11:10 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم عمر عليمات

يشارف القتال في السودان على نهاية شهره الأول، وكل طرف مازال متمسكاً بموقفه، وتصنيفاته الواقعة بين خائن ومتمرد، فيما الشعب السوداني يعاني ظروفاً إنسانية صعبة للغاية، فيما يترنح الموقف العربي بين التردد والمناشدات والتحذيرات الكلامية، التي لم ولن تغير شيئاً على أرض الواقع.

هذا المشهد ليس بالجديد في عالمنا العربي، فأزماتنا عادة ما تبدأ هكذا وتتعمق وصولاً إلى الفشل التام، لتتحول الأمور إلى حالة من التعقيد يكون الحل فيها مستحيلاً، وكأننا لا نتعلم من تجاربنا، ليواصل العرب إنكارهم للحكمة القائلة: «الخطر الأكبر في أوقات الاضطراب ليس الاضطراب؛ إنما العمل بمنطق الأمس».

في سوريا تُركت الأمور بين معارضة ونظام، والكل وقف ينتظر نتيجة الدماء، وبعد عقد من الزمان وآلاف القتلى ودمار البلد، عاد العرب ليكتشفوا العجلة من جديد، ويدركوا خطأهم في ترك سوريا لمصيرها، وها نحن اليوم وصلنا إلى الوقت الذي فيه قمة مطالبنا تتمثل في إخراج النفوذ الإيراني من سوريا وإيقاف حرب المخدرات، بعد أن أصبحت الحدود السورية تهديداً للجميع سواء من خلال المليشيات الإيرانية أو المليشيات المحلية أو عمليات إنتاج الكبتاجون التي أصبحت تغرق عالمنا العربي.
في ليبيا لم يُكن الأمر أفضل حالاً، فقد تُركت ليبيا للنفوذ الإقليمي، والمليشيات المسلحة التي تتعدى 300 مليشيا مسلحة ذات مرجعيات محلية وإقليمية، والمشهد في ليبيا منقسم بين فصيلين وحكومتين وكل منهما له مؤيدوه ومعارضوه، وهذا ما ينطبق على اليمن، التي ترُكت بعد خلع علي عبدالله صالح عن السلطة، وبقيت كرة الثلج تتدحرج تحت أنظار الجميع، إلى أن سيطر الحوثي على اليمن، ودخلنا مستنقعاً وبحراً من الدماء، وفي كلا البلدين لم يحقق العرب شيئاً وجُل أمانيهم اليوم إيقاف التهديد والخطر الخارج من الحدود الليبية أو اليمنية، ومنع تهديد دول الجوار، وبذلك أصحبت لدينا حدود سورية ويمنية وليبية تشكل خطراً متزايداً على الأمن القومي العربي، ناهيك عن العراق وتحوله إلى قاعدة ورأس حربة لمليشيات إقليمية، تأتمر بأمر الخارج، وليست معنية بأي شيء سوى تنفيذ أجندات لا علاقة للعراق وشعبه بها.

وبموازاة كل ذلك ذلك بقي الدم السوري واليمني والليبي والعراقي مستباحاً، ولم يعُد أحد يحصي عدد القتلى الذي فاق المليون قتيل حسب أرقام الأمم المتحدة، ناهيك عن ملايين الجرحى والمشردين، ومع كل ذلك بقي الموقف العربي في إطار المناشدة والدعوة لوقف القتال، ومن ثم الحديث عن آليات التعامل مع الأعداد الهائلة للاجئين والنازحين.

التجربة تقول إن القرارات المتأخرة عواقبها كارثية، ومع كل يوم نهدره بالشجب والمناشدة نضيع فرص حل النزاعات ومنع توسع نطاق القتال، وتحوله إلى حرب أهلية وتزايد الخسائر الإنسانية وامتداد الخطر عبر الحدود ليشكل معضلة جديدة للأمن القومي العربي.

الدول العربية تتعامل اليوم مع الواقع السوداني بمنطق التجارب السابقة، ورغم أن النتائج واضحة ولا تُخطئُها العين إلا أننا ما زلنا في نطاق المناشدة والتعامل مع الأمر باعتباره شأنناً داخلياً، رغم أن الجميع يدرك بأن الصراعات السابقة رغم مأساويتها إلا أن توسع نطاق الحرب في السودان سيكون جحيماً يحرق الأخضر واليابس، فامتدادات وجيوسياسية الصراع السوداني مختلفة تماماً، ناهيك عن أن الصراع بين قوات مسلحة ومليشيا عسكرية قوية العتاد والعدد، وكل طرف لديه شبكة علاقاته الخارجية.

باختصار إذا ما واصل العالم العربي التعامل مع السودان بمنطق الأمس، فنحن على أبواب صراع ممتد لسنوات، وانعكاسات جذرية على الأمن العربي، فمن يريد أن يضع السودان تحت المجهر عليه أن يضع معها مصر، وما تمثله من قاعدة لاستقرار الدول العربية كافة، هذا إلى جانب التنظيمات الإرهابية المنتشرة في أفريقيا والتي ستجد في السودان ممراً باتجاه الدولة الأهم.