النسخة الكاملة

سداد الديون إلتزام أخلاقي وشرعي وقانوني

الخميس-2023-05-08 09:48 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم المحامي الدكتور سليمان ابو عتمة

ان سداد الديون في وقتها هو دليل على حسن الأخلاق، والأصل أن الديون حقوق مالية في ذمة المدين يجب أداؤها متى ما حلَّ أجلها، ولا يحلّ للمدين الموسر الذي يستطيع الأداء أن يماطل في أداء دينه متى ما كان قادراً عليه؛ فقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من الظلم فقال عليه الصلاة والسلام: "مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ"؛ ويجب عدم المماطلة للقادر عليه وإلا امتنع الناس عن الإقراض لعدم الوثوق بالسداد، وفي ذلك من الضرر على الفرد والمجتمع والاقتصاد.

فأن من أعظم سمات الأخلاق في المجتمع هو أداء الحقوق والواجبات ومن أهم واجبات العلاقة بين الناس في مجتمعاتهم هي حسن التعامل والوفاء وعدم المماطلة في الحقوق والاستيفاء.

فكما يعد سداد الديون إلتزام اخلاقي فهو بذات الوقت التزام شرعي ولذلك جاء الشرع بوجوب أداء الدين متى ما حلّ أجله، وقد شدد الإسلام في مسألة الدين تشديداً يحمل المرء على عدم الاقتراب منه إلا عند الضرورة القصوى؛ والواجب على الانسان إذا استدان أن يعزم على سداد الدين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله"، وهذه النية لا تكون صادقة إلا بفعل الأسباب الممكنة في السداد، فينبغي لكل انسان أن يحرص ويجتهد على قضاء ديونه وإبراء ذمته من الحقوق والمظالم قبل أن توافيه المنية وهو متورط، وليكن صادق النية في السداد ليفرج الله عنه ويكون معه، وينبغي أن يوثق ديونه ويكتبها في وصيته، حتى إن عجز عنها لم تضع حقوق الخلق وسخر الله له من يقضيها عنه من ولده وقرابته.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الدَّين كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه قال: "كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضَلع الدَّين ــ ثقل الدَّين ــ وغلبة الرجال".

ويحرم على الانسان أن يماطل أو يتأخر في سداد الدين الثابت في ذمته وهذه من الذنوب العظيمة التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو داخل في ظلم الأموال وقد عدها بعض أهل العلم من الكبائر، وقد نص بعض الفقهاء على أن المماطل فاسق ترد شهادته لظلمه وتهاونه بالحقوق، وهذا التصرف من المدين يحل للدائن أن يشتكيه عند الحاكم ويحل للحاكم حبسه حتى يوفيه دينه لأنه ظلمه في ماله لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لَيُ الواجد يحل عرضه وعقوبته. أي مماطلته. وإذا لم يجد سبيلا عليه أبيح له أن يدعو عليه لأنه مظلوم"، والشارع جعل للمظلوم دعوة مستجابة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"، والمماطل المذموم شرعاً والمستحق للتعزير في الدنيا والعقوبة في الآخرة هو الغني القادر على الوفاء بماله، أما المعسر الذي لا يجد مالاً ولا يستطيع الوفاء فمعذور شرعاً، ويجب إنظاره لأنه معذور، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولذلك قال الله عز وجل: "وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ" والمماطل إن نجا من عقوبة الدنيا فلن ينجو من عقوية الآخرة.

وسداد الديون إلتزام قانوني، فالديون المدنية هي عبارة عن مبلغ يدين به شخص، يُعرف بالمدين لشخص أخر يطلق عليه الدائن أو صاحب الدين، ويمكن أن يكون الدين مالاً أو بضاعة، وينشأ الدين عند موافقة الدائن على إقراض المدين مبلغاً محدداً من المال، وفي بعض الأحيان يكون استرداد المال مقابل فائدة، والدائنون والمدينون يمكن أن يكونوا شركات أو أفراد.

الأردن هو أحد البلدان القليلة في العالم التي ما زالت تسمح بحبس الأشخاص بسبب تعذر سداد الديون، فقد نصت المادة (22) من قانون التنفيذ على: " أ . يجوز للدائن ان يطلب حبس مدينه اذا لم يسدد الدين او يعرض تسوية تتناسب ومقدرته المالية خلال مدة الاخطار على ان لا تقل الدفعة الاولى بموجب التسوية عن (15%) من أصل المبلغ المحكوم"، وينبغي ألا تتجاوز مدة الحبس 60 يوماً في السنة الواحدة عن دين واحد، و 120يوماً بحال تعددت الديون".

إن موضوع حبس المدين الذي نص عليه قانون التنفيذ قد عاد مجدداً بعد الغاء العمل بقانون الدفاع لنجد البعض يطالب بحبس المدين لإجباره على الدفع. ويعزو ذلك إلى أن إلغاء حبس المدين بشكل شامل سيخلق مشكلة اجتماعية كبيرة، حيث سيفقد عدد كبير من الدائنين الوسيلة في تحصيل حقوقهم. إضافة لفقدان عدد كبير من الأحكام القضائية لوسيلة تنفيذها، والبعض الآخر يطالب بإلغاء حبس المدين نظراً إلى أن ذلك سيفاقم الأزمة الاقتصادية، ولن يعود بأي نفع. فإن كانت تشريعات الدول المتقدمة تمنع أو "لا تجيز” حبس المدين بدين مدني، إلا أن لديهم عقوبات أخرى اقتصادية، منها فقدان القدرة على حمل بطاقة الائتمان، أو القدرة على الاقتراض أو التجارة، وهذه تعتبر مسائل جوهرية ضمن تلك المجتمعات، بالتالي نحن بحاجة لحل وسط قبل أن يتم الإلغاء الشامل لعقوبة حبس المدين.

فسداد الديون إلتزام أخلاقي وشرعي وقانوني يجب الالتزام به وتنفيذه على أكمل وجه