جفرا نيوز – د. محمد أبو بكر
هل سيقوم الاردن بفتح السياحة الدينية خاصة وأن بلادنا تزخر بالمواقع الدينية التي تمثّل شغفا لدى مئات الملايين من المسلمين حول العالم ؟
في الأردن مقامات عديدة لصحابة أجلّاء ، عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب ، وأمين الأمّة أبو عبيدة عامر بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ومعاذ بن جبل ، والشجرة التي استظّل بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكهف أهل الكهف ، وغيرها الكثير من المواقع الدينية التي ينظر إليها المسلمون باهتمام وشغف ورغبة بزيارتها .
في سنوات سابقة وحتى وقت قريب ، كانت هناك دعوات تصدر من شخصيات سياسية أردنية وجهات مختلفة ، حول أهمية فتح الأبواب أمام هذا النوع من السياحة ، والتي تمثّل رافدا ماليا مهمّا جدا ، إن تمكّن الأردن من ضبط الأمور وقوننتها ، وهو قادر بالتأكيد على ذلك .
الشمس لا تغطّى بغربال ، والأمانة تقتضي أن نتحدث بوضوح وصراحة وشفافية ، فالسياحة من دول أوروبا ، وبالمقارنة مع الدول الأخرى في المنطقة ، لم تصل إلى حدود طموحاتنا أبدا، فمدينة أوروبية واحدة مثل برشلونة يزورها أكثر من ثلاثين مليون سائح سنويا ، أي أضعاف من يأتون إلينا من تلك القارة ، وقد تناسينا في الأردن أن موضوع السياحة الدينية سيكون هو الثمرة الهامّة التي يمكن استثمارها ، هذا إذا ما علمنا بأن عدد المسلمين في قارة آسيا يناهز المليار مسلم ، وهؤلاء لديهم طموحات كبيرة بزيارة الأردن ، وهم يعلمون بأنّ هذه الأرض المقدّسة الطاهرة تحتوي على العديد من المواقع والأضرحة والمقامات التي تعني الكثير للمسلمين .
قبل ثلاث سنوات وفي حوار لمجموعة جفرا مع بيت الخبرة الحكيم زيد الرفاعي دعا دولته إلى فتح السياحة الدينية ، بالإضافة لدعوات أخرى من قامات سياسية واستثمارية ، ترى أهمية الإقدام على هذه الخطوة .
وللأسف ؛ وحين الحديث عن السياحة الدينية ، يقفز إلى ذهن البعض تلك السياحة القادمة من جمهورية إيران الإسلامية ، والتي تأمل الوصول إلى تفاهمات مع الجانب الأردني ، والذي يتحفّظ كثيرا في تقبّل ذلك .
صحيح أن إيران تأمل الوصول إلى اتّفاق مع الأردن بخصوص زيارات الأخوة المسلمين الشيعة للمقامات في منطقة مؤتة بالكرك ، غير أن هذا الموضوع لا يتعلّق فقط بإيران ، فهي جزء هام من العالم الإسلامي ، وعدد سكان إيران يعادل عشرة بالمئة من عدد المسلمين في آسيا .
في الآونة الأخيرة تكثّفت اللقاءات بين الجانبين الأردني والعراقي بمختلف مكونّاته ، ومؤخرا زار الأردن السيد عمّار الحكيم وهو من الشخصيات ذات الثقل الكبير في العراق ، وقبل فترة كان وفد برلماني رفيع المستوى في بغداد برئاسة رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي الذي عقد العديد من اللقاءات مع مكونات الطيف السياسي العراقي ، ومنها فعاليات شيعية ، ومن البديهي أن يطرح الأخوة الشيعة الطلب المتكرر بخصوص السياحة الدينية القادمة من العراق وإيران .
وفي تقارير اطّلعنا عليها ، وذكرتها وسائل إعلامية خارجية ، علمنا بأنّ هناك عدّة اقتراحات من شخصيات سياسية واستثمارية لإقامة مطار في الكرك ، والهدف هو تنظيم زيارات للمقامات هناك ، وهذه الإقتراحات تمنح الأردن كامل الحريّة فيما يتعلّق
بالجانب الامني الأكثر حساسية ، فالأردن له كامل الحقّ بالسيطرة على هذا الملف وبما يحفظ أمنه واستقراره .
ومن البديهي ، إذا جرت اتفاقات مبدئية ، أن يقوم الأردن بالتدقيق الأمني قبل منح أي موافقة ، والعراق بدوره وكذلك سيلتزمان بكافة مقتضيات الأمن الأردني ، وكلّ ذلك سيحتاج حتما المزيد من التفاهمات بين الأطراف الثلاثة ، والتي يمكن لها
العمل على ترسيخ علاقات جيدة بينها ، مع المحافظة على خصوصية كل دولة .
الوضع السياسي في الإقليم يتغيّر بسرعة ، وبعد الإتفاق الإيراني السعودي والجهود نحو حلّ الأزمة اليمنية ، فإنّ السياسة الأردنية المتوازنة تأخذ في الحسبان هذه التغييرات ، ومؤخرا صدرت أصوات سياسية أردنية تدعو إلى عودة السفراء بين عمان وطهران ، وبما يمثّل خطوة هامة للسياسة الأردنية التي تدرك بأن اليوم مختلف عن الأمس .
ومن خلال متابعتنا للظروف السياسية المحيطة بالأردن ، نجد بأنّ السياسة الأردنية بدأت بتحركّات في اتّجاهات مختلفة ، حتى على صعيد إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية ، وأجزم بأن هذه السياسة ستأخذ في الحسبان الإتّجاه شرقا مع تنامي العلاقات بين طهران وعمّان ، واللقاء الذي جرى قبل فترة زمنية بين جلالة الملك ووزير الخارجية الإيراني هنا في عمّان ، ورغبة الإيرانيين في الإنفتاح أكثر على الأردن ، مع الأخذ في الإعتبار بأن علاقات الأردن مع مختلف الدول الإسلامية في آسيا هي بأفضل حالاتها ؛ من أندونيسيا مرورا بماليزيا والباكستان وتركيا وبنغلاديش ، وكذلك تلك السياحة الهامة القادمة من دول الخليج العربي ، حيث يرى مواطنو هذه الدول بأن الأردن هو الوجهة المفضّلة عربيا نظرا للتشابه الكبير في العادات والتقاليد والترحيب الكبير بهم دائما .