جفرا نيوز - يعود تطبيق الوضع القائم للأماكن المقدسة في القدس إلى العهد العثماني، الذي يستمر سريانه واعتماده حتى الآن رغم تعاقب الجهات المسيطرة على القدس، ورغم المحاولات الإسرائيلية للتقويض والتغيير.
وتسعى سلطات الاحتلال إلى تغيير الواقع الحالي، بفرض سيطرتها على المسجد الأقصى عبر التدخل في شؤون إدارته.
ويطلق على الإجراء العثماني ألفاظ "ترتيب" و"فرمان" و"قانون" و"إجراء" وبدأ منذ 1852 لتحديد الحقوق في الأماكن المقدسة لكل طائفة وجماعة دينية كانت موجودة في القدس وبيت لحم، دون السماح بإحداث تغيير على هذا الوضع.
في 1856 اعترف مؤتمر باريس، وكذلك معاهدة برلين بين قوى أوروبية والدولة العثمانية بالترتيب، ونصت المادة 62 من المعاهدة على: "من المفهوم تماماً أنه لا يمكن إدخال أي تعديلات على الوضع في الأماكن المقدسة" ثم وسعت المادة الترتيب ليشمل كل الأماكن المقدسة وليس المسيحية فقط.
في الفترة (1920-1947)، التزم الانتداب البريطاني عند احتلاله القدس بالوضع القائم، بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى وخضوع دولتهم للتقسيم، لتبقي سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين على الترتيب القائم بما يشمل جدار البراق في المسجد الأقصى.
في 1924، انعقدت البيعة والوصاية من أهل فلسطين للشريف الحسين بن علي؛ ليصبح أول المتبرعين لإعادة إعمار المسجد الأقصى، وبادر مع ابنه الأمير عبدالله، إلى تقديم مبلغ يعادل نحو 50 ألف ليرة ذهبية لإعمار المقدّسات، وهو ما سُمّي "الإعمار الهاشميّ الأول" في الحرم القدسي.
وقال أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبد الله كنعان، إن وفدا مقدسيا برئاسة رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الحاج أمين الحسيني زار الشريف الحسين في مكة، وأطلعه على حاجة المسجد الأقصى ومساجد القدس فتبرع الشريف الحسين وطلب من الأمير عبدالله في عمّان بأن يتوجه شخصياً إلى المسجد الأقصى ليكشف على مشروع العمارة كشفاً فنياً مبيناً مقادير النفقة المطلوبة.
البراق "للمسلمين وحدهم"
في 1928، انتهك يهود الوضع القائم في المسجد الأقصى ووضعوا مقاعد عند حائط البراق؛ لفصل الرجال والنساء الذين يؤدون صلوات يوم الغفران ونفخوا في الأبواق، ثم تفاقم النزاع حول ترتيبات الصلاة في حائط البراق؛ مما أدى لاندلاع ثورة البراق عام 1929.
شُكلت لجنة دولية لتحديد حقوق المسلمين واليهود في حائط البراق وكانت اللجنة برئاسة وزير خارجية السويد الأسبق أليل ولفغرن وعضوية نائب رئيس محكمة العدل الدولية الأسبق السويسري تشارلز بارد، وقدمت تقريراً عام 1930 إلى عصبة الأمم المتحدة أيدت فيه حق المسلمين الذي لا شبهة فيه بملكية حائط البراق، وفق وكالة وفا.
وخلصت لجنة تتبع عصبة الأمم إلى أن "ملكية الحائط الغربي تعود للمسلمين وحدهم، ولهم الحق وحدهم فيه؛ لأنه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف، وتعود لهم أيضا ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط؛ لأن ذلك الرصيف وقف".
يقول مدير المسجد الأقصى عمر الكسواني إن الدولة العثمانية لم تعط في 1852، لليهود أي شيء سوى المرور من ساحة البراق عند حارة المغاربة التي هدمت عام 1967".
ويوضح المدير التنفيذي للصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة وصفي الكيلاني أن "الأردن سمح لليهود بالصلاة اتباعا لعرف عثماني استمر عليه الانتداب البريطاني حتى حد معين بدون وضع كراس" أما الكسواني فيضيف: "كان هناك من يمارس طقوسه أثناء المرور عند حائط البراق".
في 1967، احتلت إسرائيل القدس واستولت بالقوة على حائط "البراق" وصادرت مفتاح بوابة المغاربة، ودمرت حي المغاربة الذي يقع أمام جدار البراق، وأنشأ المحتل ساحة صلاة كبيرة للمصلين اليهود التي كبرت تدريجيا من مساحة 66 مترا مربعا إلى 6300 متر مربع.
"اعتراف اسمي شكلي"
يقول الكيلاني إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي احترمت اسميا وشكليا بعد عام 1967 الوضع القائم بشأن إدارة الحرم القدسي الشريف حتى عام 2000، وذلك عبر احترامها لوصاية المملكة الأردنية الهاشمية على الأماكن الدينية والتاريخية ومسؤوليات الإدارة والترتيبات الدينية، لكن تلك السلطات صادرت مفتاح باب المغاربة وكانت تدخل عناصر الشرطة على فترات متقطعة إلى الحرم، كما تحكمت بالدخول إلى الحرم القدسي الشريف من بواباته.
في 1981، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) مدينة القدس القديمة وجدرانها كأحد مواقع التراث العالمي المعرض للخطر بعد طلب أردني.
في 1994، وُقعت معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، ونصت الفقرة (2) من المادة 9 على: "تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن".
في 2000، بدأ الخرق عند اقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون المسجد الأقصى، مما أدى لاندلاع انتفاضة الأقصى، ثم حدث التغير بعد 2003 وبدأ إدخال غير المسلمين للحرم بدون إذن الأوقاف، بحسب الكيلاني.
مدير المسجد الأقصى يشير إلى إغلاق باب المغاربة من 2000 وحتى 2003، ثم "فُتحت السياحة من إسرائيل من باب المغاربة رغما عن الأوقاف وبدون التنسيق معهم، وساووا بين المقتحمين والزوار".
وصاية هاشمية سيادة فلسطينية
في 2013، وقّع الملك والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقية الوصاية، وأشارت الاتفاقية إلى أن "جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس".
تستذكر الاتفاقية البيعة التي بموجبها انعقدت الوصاية على الأماكن المقدسة للشريف الحسين بن علي، والتي تأكدت بمبايعته في 11 مارس/آذار سنة 1924 من أهل القدس وفلسطين.
وآلت الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس إلى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين؛ بما في ذلك بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية التي تخضع للقانون الأردني رقم 27 لسنة 1958.
وتؤكد الاتفاقية على أن الملك يعمل على بذل الجهود الممكنة لرعاية والحفاظ على الأماكن المقدسة في القدس وبشكل خاص الحرم القدسي الشريف، كما تؤكد أيضا السيادة الفلسطينية على القدس.
"محاولات سافرة"
ويؤكد الملك على التعامل وبشكل متواصل مع الانتهاكات والاعتداءات المتكررة التي تقوم بها إسرائيل والجماعات المتطرفة، والمحاولات السافرة لتغيير الوضع القائم في مدينة القدس ولمعالمها وتراثها وهويتها التاريخية، ومن انتهاكات لحقوق السكان العرب والتضييق عليهم وتهجيرهم، ومن مساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية.
وتعهد الملك بالاستمرار بالقيام بـ"مسؤولياتنا الدينية والتاريخية تجاه كامل المسجد الأقصى/الحرم الشريف، الذي يتعرض لمحاولات اقتحام متكررة من قبل المتطرفين، وسنواصل ومن موقعنا كصاحب الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس حماية هذه المقدسات، والتصدي لأي محاولة انتهاك لقدسيتها أو المساس بها، والوقوف بوجه أية اعتداءات أو محاولات للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى/ الحرم الشريف".
نستخدم كل إمكانياتنا في الدفاع عن المسجد الأقصى/كامل الحرم القدسي الشريف لا يقبل الشراكة ولا التقسيم، وقد دافعنا بنجاح لاعتماد هذا التعريف مرارا أمام الأمم المتحدة وفي اليونسكو، ونحتفظ بكافة الخيارات السياسية والقانونية للتصدي للانتهاكات وحماية المقدساتجلالة الملك عبدالله الثاني
"حتى عنان السماء"
يدل تعبيرا "المسجد الأقصى" و"الحرم الشريف" في القدس حيث يستعمل التعبيران للدلالة على المعنى والموقع المقدس ذاته، وهو المسجد الذي خصه الله ليكون موطن إسراء ومعراج النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه صلى إماما بجميع الأنبياء والمرسلين، وفق إدارة أوقاف القدس.
يقع المسجد الأقصى جنوب شرق القدس القديمة المسورة والتي تحوي عشرات العقارات والمباني الوقفية الموقوفة على المسجد الأقصى.
والمسجد الأقصى اسم للمكان والأرض (وما عليها من بناء) التي دار عليها سور المسجد الأقصى من جهاته الأربع، ومساحة سطحه تزيد عن 144 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع).
ويقول مدير المسجد الأقصى عمر الكسواني، إن "حدود الحرم القدسي حتى عنان السماء" ونبه إلى اعتبار الإسرائيليين أن "المسجد الأقصى هو المسجد القبلي ومسجد قبة الصخرة فقط".
وتبلغ أبعاد المسجد 491 مترا من الغرب، 462 مترا من الشرق، 310 أمتار من الشمال، و281 مترا من الجنوب، ويشمل المسجد القبلي (الجامع الأقصى) والمسجد المرواني ومسجد قبة الصخرة ومسجد البراق والأقصى السفلي وباب الرحمة، وكل ساحاته وبواباته ومصلياته وأروقته وما فوقها من المدارس التاريخية ومساطبه وآباره ومبانيه فوق وتحت الأرض وجميع الطرق المؤدية إليه وأسواره الخارجية بما فيها حائط البراق الشريف.
ولجميع المساحات والأبنية الواقعة في حدود المسجد الأقصى القداسة نفسها والمكانة في العقيدة الإسلامية؛ لوجودها ضمن فناء المسجد الأقصى فتأخذ حكمه، وفق الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخــرة المشرفة.
المملكة