جفرا نيوز - د. محمد أبو بكر
في العام 1990 فوجيء الكثير من المراقبين والمتابعين للجوّ العام بالأردن في ذلك الوقت بالفريق أول المتقاعد عبد الهادي المجالي وهو يخترق العمل الحزبي بكلّ قوة ، من خلال إنشاء حزب العهد الأردني ، وكان التساؤل يتمثّل في كيفية إقدام المجالي على خوض هذه التجربة المختلفة كليا عن مسيرته الزاخرة والممتدة ؛ سواء في القوات المسلحة أو في جهاز الأمن العام .
غير أن الباشا أصرّ على المضي قدما في هذا الإتجاه ، فالساحة باتت تعجّ بمشاريع الأحزاب ، منها ما هو استمرّ ونال الترخيص ، وأخرى غادرت بهدوء ، لعدم قدرة القائمين عليها من استقطاب خمسين مؤسسا لزوم ترخيص الحزب السياسي ، هكذا كان القانون الحزبي الذي صدر في العام 1992 .
ثمّ حدثت النقلة الهامة ؛ حين زار الملك الراحل الحسين بن طلال منزل المرحوم أنيس المعشر في العام 1996 ، على ما أعتقد ، وكان المعشر هو الآخر قد أسس حزبا أطلق عليه إسم الحزب الوحدوي العربي الديمقراطي (وعد) ، وحضر هذا اللقاء مجموعة من السياسيين وأمناء الأحزاب الوسطية ، وتحدّث الملك في هذا اللقاء ، والكل يتذكّر جملته الشهيرة .. الزحام يعيق الحركة ، وكان هناك تساؤل من الملك حول هذا العدد الكبير من الأحزاب ، ولماذا لا تتوحّد ضمن حزب واحد ، بما أن اهدافها ومبادئها مشتركة ؟
اعتقد الحضور بأنها رغبة ملكية للمضي نحو إندماج حزبي ، وبالفعل حصل ذلك من خلال إندماج تسعة أحزاب وسطية ، شكّلت حينها الحزب الوطني الدستوري ، حيث تم الإتفاق على سنة انتقالية ، بحيث يكون عبد الهادي المجالي هو الأمين العام ، وعلي فريد السعد رئيسا للمجلس المركزي ، وباقي الأمناء العامين نوابا للأمين العام .
شارك الحزب الجديد بقائمة في انتخابات 1997 ، وكان الإعتقاد السائد بأن هذا الحزب سوف يسحب البساط من تحت أقدام الكثير من الحزبيين والشخصيات الهامة ، وربما يكون المنافس الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين .
وكانت المفاجأة غير السارة بنجاح إثنين فقط من القائمة وهما ؛ عبد الهادي المجالي وعبد الرؤوف الروابدة ، حينذاك بدأ تحوّل جديد في مسيرة الحزب الوطني الدستوري ، حين عقد المؤتمر العام الكبير في قاعات جبري ، وتمّ تزكية المجالي للإستمرار في الأمانة العامة ، وهذا أثار حفيظة البعض ، الذين كانوا يرغبون بانتخابات حقيقية لاختيار القيادات المختلفة للحزب وعلى مستوى المملكة .
لم تسر أمور الحزب كما يشتهي القائمون عليه ، فكان أن انسحب عبد الهادي المجالي وشرع في تأسيس حزب جديد تحت مسمّى ؛ حزب التيار الوطني الأردني ، وهو ما زال قائما حتى يومنا هذا ، بالإضافة للحزب الوطني الدستوري الذي يتولّى أمانته العامة منذ سنوات طويلة الدكتور أحمد الشناق ، في حين كان المجالي رئيسا لحزب التيار والدكتور صالح رشيدات أمينا عاما له ، وهو الذي اختار مؤخرا الإبتعاد عن الجوّ الحزبي.
رحل عبد الهادي المجالي عن عالمنا بعد حياة حافلة في العمل الحزبي ، لم يكن الباشا يتوقع أن تكون على هذه الشاكلة ، لقد حاول صناعة عمل حزبي حقيقي ، غير أن المناخ العام لم يساعد الرجل ، الذي واجه متاعب متعددة في سبيل إنجاح تلك التجارب التي خاضها.
وبعد رحيله ؛ يأتي السؤال .. أين أصبح الحزب الوطني الدستوري الذي جاء نتيجة اندماج تسعة أحزاب وسطية ؟ وكيف سيكون عليه حال حزب التيار الوطني مع قانون الأحزاب الجديد ؟ فهل يستكمل الحزبان مسيرة الراحل المجالي أم يرفعان الراية إيذانا بمغادرة الساحة ، وإسدال الستارة عن مسيرة حافلة لرجل كافح كثيرا في الحياة الحزبية ، غير أنه لم يستطع تحقيق أهدافه وطموحاته كما كان يخطط لذلك ؟