وصفي لن يعود
الأربعاء-2012-08-01 11:52 am

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - عمر داودية
يطلب طاقم "الملكية الأردنية” عبر الميكروفون من المسافرين العودة الى المقاعد و ربط الأحزمة استعدادا للهبوط في العاصمة اليونانية أثينا. تعم الطائرة بعض الجلبة في هذه الأثناء كما هي العادة بعد هذا الإعلان في نهاية كل رحلة.. جميلات الملكية يمشين مسرعات بين المقاعد لجمع البطانيات والسماعات والكؤوس البلاستيكية المتبقية، أما المسافرون...فيصطف نصفهم –فجأة- بانتظار دورهم لدخول المراحيض وكأنهم يخشون عدم توفرها في مطار الدولة المستقبلة!! أما النصف الآخرفينشغل بتعديل وضعية الكراسي، جمع الأوراق والكتب وإعادة ترتيب هندامهم.
بعيدا عن جلبة الطائرة، أنظر من النافذة الى التلال اليونانية والشواطئ المحاذية لها بكثير من الخشوع والتأمل. بلاد الإغريق ...أرض علم فلسفة وحرب كان لها التأثيرالأكبر من بين كل الحضارات على تاريخ البشرية. هنا مهد هرقل أخيليس ومن هنا خرج الإسكندر بحملة عظيمة اخضع لها بابل أوغل بعيدا حتى وصل الهند، هنا مهد أفلاطون مؤسس الفلسفة والعلوم الغربية، وتلميذه أرسطو مؤسس علم المنطق وصاحب الفضل في دراستنا اليوم للعلوم الطبيعية.
بهذا التبجيل و الإحترام المسبق وطأت الأراضي اليونانية لأول مرة، متلهفاً ...مندفعاً... و كأن أحد الأبطال الذين ذكرتهم سيكون في استقبالي !! تمضي بي الحافلة في شوارع أثينا، أراقب باهتمام من النافذة كل صغيرة و كبيرة و أخطط لزيارات لا تنتهي للمواقع التاريخيه...معبد الأكروبوليس حيث تأمل و كتب سقراط...سهل ماراثون حيث أوقف جيش أثينا الزحف الفارسي بقيادة داريوس الأول...و مدينة أسبارطة التي أنجبت أعتى المحاربين و أشجعهم... و غيرها الكثير! و لابد أيضاً ن أمر بالمكان الذي أغتيل فيه الكاتب الأردني الفذ، صاحب القلم الحر الشهيد ميشيل النمري لأقرأ الفاتحة على روحه النبيلة.
مرت الأيام...الأسابيع و الشهور، و كأي حب طارئ...بدأ ذاك الإندفاع والحماس يتلاشى رويداً رويدا....فإذا وضعت جمال نساء اليونان "الخلاب” جانباً فإنك لن تجد ما يدعوك الى الإنبهار بشعب ساد العالم سابقاُ !! ...أزمة إقتصادية تعصف بالبلاد بسبب سوء إدارة الحكومات المتعاقبة، تفكك اجتماعي و انهيار ثقافي، لا بل أن اخوتهم في الدول المجاورة يطلقون عليهم –بكثير من السخرية- "عرب أوروبا” !!
الأدهى من ذلك أن اليونانيين أنفسهم يعرفون هذا، لا بل أنهم يطلقون النكت أحيانا لتعزية أنفسهم، فعندما بحثت لصديق يوناني بما جال في خاطري باحثاً عن تعليل أجابني مبتسماً:
السبب كما يعلله اليونانيون يعود الى العظيم إسكندر نفسه و ليس لهم ... و الطرفة التي يتداولها الشعب هنا كلما طرح هذا الموضوع هي التالي: عندما قرر الإسكندر العظيم غزو العالم إلتف حوله شعب الإغريق وقال: يا سيدنا ومليكنا ...أنت ماض الى حرب وترحال قد يطول فماذا نحن في غيابك فاعلون؟ فرد الفاتح العظيم: "لا تفعلوا شيئاً...لا تفعلوا شيئاً...انتظروا عودتي بالنصر فقط”.
لقد بقي الإغريق على عهدهم فلم يفعلوا شيئاً منذ مضى الإسكندر ولا يزالون في انتظاره...فقط !!
عاد اسم شهيدنا و فقيدنا –القوي و الأمين- وصفي التل ليتداول بكثرة في الأردن منذ بداية الربيع العربي، وخاصة عندما صعق الشعب الأردني بحجم الفساد المستشري بين مسؤوليه وأرقام الاختلاسات الفلكيه التي لم نسمع بها إلا في حصص الرياضيات.
يتذكر الأردنييون وصفي بكثير من الحنين !! ... صوره...أقواله و سيرته ...لا يخلو منها موقع إلكتروني و لا صفحة فيس بوك...”أين انت يا وصفي من حالنا ...” ... "لو كان وصفي لا يزال على قيد الحياة”... "رجل لا يتكرر...” و غيرها من "البوستات”.
من كان ينتظر عودة وصفي...فإن وصفي لن يعود، و الهروب من الحاضر، الذي يراه الكثير من الاردنيين محبطاً، الى الماضي بحثاً عن السلوى، لن يجدي. لابد أن هناك وصفي بيننا فالبلاد التي أنجبته قادرة على انجاب غيره.
ابحثوا عن وصفي ...و لا تنتظروه!.

