النسخة الكاملة

"أُسر في عز شبابه"..قصة محزنه للأسير المحرّر الفلسطيني كريم يونس -صور

الخميس-2023-01-05 02:56 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - أفرجت سلطات سجون الاحتلال الإسرائيلي عن عميد الأسرى الفلسطينيين المناضل كريم يونس، فجر اليوم الخميس، عن عمر بلغ الـ65، بعد أربعة عقود من الأسر وزميليه، الراحل سامي يونس، وماهر يونس، الذي ينتظر هو الآخر الإفراج عنه.

وقامت سلطات السجون الإسرائيلية بالإفراج عن كريم يونس وإنزاله على قارعة الطريق داخل مدينة رعنانا الإسرائيلية، القائمة على بلدة تبصر الفلسطينية المدمرة، بالقرب من تل أبيب. وهناك استعان يونس بهاتف أحد العمال الفلسطينيين للاتصال بأقاربه الذين هبوا لبلوغه واستقباله. وعند وصول كريم يونس إلى مسقط رأسه، قام بزيارة منزل والدة زميله في الأسر ماهر يونس، ومن ثم توجه لزيارة قبري والديه اللذين توفيا وهو بالأسر.

وبلغت عملية الإفراج عن الأسير، الذي يستبطن قضية فلسطين بكل حروفها، ذروتها عندما وصل إلى مقبرة عارة لزيارة ضريحي والديه، صبحية يونس، التي رحلت قبل أقل من عام، ووالده يونس يونس، الذي رحل قبل عقد. احتضن كريم ضريح والده، الذي توفي قبل 10 سنوات، والذي حرم من لقائه لأكثر من 17 عاماً، ثم قبر والدته، وبكى هناك مطولاً، وكأنه يحاول الاعتذار منها لتأخره عن عناقها، فقال من هناك: "والدتي كانت سفيرة لكل أسرى الحرية، أمي تحملت فوق طاقتها، لكنها اختارت أن تراني من السماء بعد انتظار طويل”.

ولاحقا قال إن والدته حملته في دموعها وقلبها ووجدانها على مدار 40 عاماً.

يونس، المعروف بثقافته الواسعة، تابع، وهو يتحدث للصحافيين، الذين تحلقوا من حوله: "لم أشعر بأي شيء حالياً، لا يوجد بداخلي ما أشعر به، لا أستطيع أن أتحدث عما بداخلي وشعوري، اليوم استنشقت الهواء ورأيت الشمس، وقد أتعود على ذلك مع الأيام المقبلة. شعبنا بأكمله يستحق كل تعظيم سلام، وأسرانا يدعون للوحدة الوطنية، لأنها قانون الانتصار”. لافتاً إلى أن الأسرى يحملون الكثير من التساؤلات والرسائل، مضيفاً: "أنا تركت خلفي الكثير من الأسرى وقلبي معهم، هناك أسرى يحملون الموت على أكتافهم”.

وخلص للقول: "لدينا استعداد لتقديم 40 سنة أخرى من أجل حرية شعبنا، وهذه العزيمة والعطاء موجودان لدى كل الأسرى، وعزاؤنا أن الأسرى اليوم موحدون أمام همجية الاحتلال. خرجت من السجن لأنشد نشيد بلادي، وأواصل طريق الحرية، قد تكون حريتي بادرة لحرية الأسرى، فأنا ابن فلسطين، وأتمنى زيارة الضفة وغزة وكل المحافظات”.

من جهتها أوضحت هيئة الأسرى وشؤون الأسرى، في بيان مقتضب، أن الإفراج عن القائد كريم يونس تم فجراً، وتحديداً الساعة 5:40 دقيقة، وتم اعتماد أسلوب المفاجأة والتضليل، في سياق إفشال الاستقبال العظيم الذي كان ينتظره. وتطالب جهات إسرائيلية بتسريع سحب الجنسية الإسرائيلية، كما سبق وهدد وزير الداخلية في حكومة الاحتلال آرييه درعي، قبل أيام.

أسر في عز الشباب
ووقع كريم يونس بالأسر في السادس من مثل هذا الشهر عام 1983، وهو في عز شبابه (22 عاماً)، وحكم بالسجن المؤبد لمدى الحياة، بعد إدانته بالمشاركة في قتل جندي إسرائيلي، سوية مع الأسير الراحل سامي يونس والأسير ماهر يونس. وطيلة فترة الأسر تم نقل كريم يونس من سجن لآخر، في محاولة لتخفيف تأثيره على الأسرى، فهم يرون فيه أسيراً مثقفاً وقدوة وبوصلة وطنية يقتدى بها، كما يؤكد الأسير المحرر منير منصور. يونس الذي دخل الأسر وهو طالب جامعي استكمل دراسته بالجامعة المفتوحة وحاز على اللقب الأكاديمي الثاني بالجامعة المفتوحة، وأصدر عدة كتب سياسية، وبين القضبان صار أستاذاً للأسرى الجدد، ومن هذه الكتب: "الواقع السياسي في إسرائيل”، و”الصراع الأيديولوجي والتسوية”.

الأم الصابرة
في هذه المناسبة تنشر "القدس العربي” مجدّداً حديثاً لوالدة كريم يونس، المناضلة الراحلة صبحية يونس، التي ورغم روحها الفكاهية، كانت تقول إن الناس يدعونها أحياناً بـ "أم دمعة” لانسياب دموعها بغزارة كلما ذكر اسم نجلها الأسير. اعتادت أم كريم على زيارة نجلها الأسير كل 15 يوم، ولمدة ثلاثة أرباع الساعة فقط، ومن خلف الزجاج دون أن تلامس يدها يده فتحرم من جديد بإطفاء شوقها لمعانقته عناقاً واحداً على الأقل. وظل لهيب الشوق للابن يزداد مع الأيام منذ عقود.

وعن الحرمان كانت تقول إنها تذهب للزيارة مشتاقة له وتعود من السجن بشوق أكبر. وبعدما أن سجن حرمت أم كريم منه، ومن ضمه إلى صدرها، أو حتى وضع يدها في يديه إلا مرتين، وعن ذلك تساءلت شاكية حرمانها، هل يعقل أن أتحدث معه من خلال سماعات وهو أمامي! وهل من العدالة والمنطق ألا أضع يدي في يديه! وألا أضمه إلى صدري، وهل وهل؟ تساءلت أم كريم، وداخلها تثور عاصفة من نار تبردها بالدموع الحارقة على وجنتيها، فكيف ترى الأم ولدها على بعد إصبع، ولا تستطيع تقبيله وعناقه!

ورغم الشيخوخة، واظبت أم كريم على السفر، وأحياناً لمسافات بعيدة لزيارة ولدها، ولم تّفوت زيارة له بتاتاً، وعن ذلك قالت، قبل بضع سنوات: "كنت أنتظر هذا اليوم، وهذه الساعات، وأعدها بالأيام والليالي والساعات، وشعوري تجاهه كشعور أي أم تعيش في بعد عن فلذة كبدها، لكن الشيخوخة أوقفتني منذ أربع سنوات ولا أقوى على زيارته بسبب مشقة السفر، وكم كنت سعيدة قبل أيام لزيارته، بعدما نقل من سجن نفحة الصحراوي في النقب لسجن هداريم القريب منا”.

حرمان الأم من عناق ابنها
وأكدت الحاجة صبحية يونس دائماً أن نجلها كريم، فلذة كبدها، هو بالنسبة لها مصدر للمحبة والفخر، كونه بكرها، ولانتمائه لوطنه وشعبه وتابعت: "ربيته وعرفته شاباً طموحاً، وكان على وشك إنهاء دراسته الأكاديمية في جامعة بئر السبع، وبسبب بعد مكان دراسته كنت أنتظر اللحظات وأتوق لرؤيته لأنني لم أعتد على رؤيته كثيراً بطبيعة الحال”. وقتها قالت باعتداد الأم بولدها: "السجانون والأسرى يحترمونه احتراماً خاصاً، وهل سجن إلا على شرف الأرض والوطن؟ وعندما أزوره ويرى دمعتي يعزيني بقوله إنه سجن من أجل شيء شريف وغال، فهو لا يحب أن يرى دمعتي على الإطلاق”.

ولم تخفِ أم كريم قلقها الذي أصبح جزءاً من كيانها على مدار العقود الأربعة الأخيرة في سهرها الطويل، وأكدت أن رأسها يبقى عامراً شغالاً بالتفكير به على مدار الساعة، وتفتقده كثيراً، خاصة في الأفراح والمناسبات السعيدة مثل الأعياد، عندما ترى جميع إخوته يلتفون حول المائدة، أو يرقصون في أعراسهم دون وجود شقيقهم البكر.

وتابعت: "انزويت منطوية على نفسي، وغرقت بالبكاء وحيدة مختبئة عن أعين أبنائي ليلة فرح أحد أبنائي عندما سمعت أغنية: أنا مسافر يا أمي ودعيني”.

واستذكرت أم كريم في ذاك اللقاء المعاناة العائلية التي تعرض لها بقية أبنائها الذين لم تسمح لهم الجامعات الإسرائيلية الدراسة فيها، فسافروا إلى إيطاليا لتلقي تعليمهم الجامعي، ومن ثم حرمت إحدى بناتها من التعليم بسبب مطالبتها بشكل دائم للتحقيقات، مما حدا بالعائلة لقرارهم عدم إكمال تعليمها خوفاً عليها، ولحساسية الموقف بصفتها شابة.

ولفتت أم كريم إلى اللحظات الصعبة التي تؤثر نسيانها، وأنهت بها الحديث، وهي أنه كيف تم الحكم عليه شنقاً بالحبل بعد 27 محكمة، وقامت بعد ذلك العائلة بتقديم احتجاج واستئناف، وألغي قرار إعدامه، رغم عدم سريان هذا القانون في إسرائيل.

وأكدت أم كريم أنهم أرادوا ترهيب العائلة ومعاقبتهم والانتقام منهم، ونوهت أيضاً لفصل زوجها من العمل، ومن ثم أعيد إليه لاحقاً بعد نشر قصته حينها في الصحف.

قبيل رحيلها، رجت أم كريم ألا يخذلها المفاوض الفلسطيني بالسماح لإسرائيل باستثناء أسرى الداخل القدامى والمعتقلين من قبل توقيع أوسلو بسنوات كثيرة، كما حصل في المرة الأخيرة بينها وبين حركة المقاومة الإسلامية- حماس.

وولد كريم يونس يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول 1956 في قرية عارة، ودرس المرحلة الابتدائية في قريته، والثانوية بمدرسة الساليزيان في مدينة الناصرة، وواصل دراسته في قسم الهندسة الميكانيكية في جامعة بئر السبع في النقب. ومع طول فترة الأسر ومعاناة البعد عن الأهل، لم ينقطع كريم يونس عن الدراسة، فواصل رحلته التعليمية داخل السجون الإسرائيلية، بل أصبح يشرف على عملية التعليم الجامعي للأسرى الذين سمح لهم الاحتلال بذلك، وهو حامل لقب ماجستير في العلوم السياسية. وسبق أن حذر كريم يونس من استثناء أسرى الداخل القدامى من صفقات التبادل واعتبرها خيانة لهم.

وقال شقيقه، نقلاً عنه، قوله: "نحن نعتبر أنفسنا جزءاً من الشعب الفلسطيني والحركة الأسيرة. نحن نرفض التعامل معنا بشكل مغاير، ونعارض القفز عن أبناء الداخل لأن القفز عنهم يعني القفز عن مليون ونصف المليون فلسطيني في الداخل”.